100%
رجاء الشجيري
الثلاسيميا، مرض اضطراب جيني وراثي ينتج عن حدوث خلل في الجينات المسؤولة عن إنتاج الهيموغلوبين في الدم، ما يؤدي إلى تصنيع جزيئات هيموغلوبين غير طبيعية، وتضرر كريات الدم الحمر وجعلها غير قادرة على حمل الأوكسجين، وبالتالي تؤدي إلى خلل في عمل بقية الأعضاء في الجسم أيضًا.
أهمية الفحص
يتكون الهيموغلوبين من أربع سلاسل بروتينية: سلسلتي ألفا غلوبين، وبيتا غلوبين. تحتوي كل سلسلة - ألفا وبيتا - على معلومات وراثية، أو جينات، تنتقل من الوالدين. وتعد هذه الجينات بمثابة (الشفرة) أو (البرمجة) التي تتحكم في كل سلسلة، فإذا حدث خلل في هذه الجينات أو فُقدت، فسيكون الشخص مصاباً بالثلاسيميا، لذلك فمن المهم جدًا الفحص الطبي للمقبلين على الزواج وعدم إهماله، لما له من أهمية في معرفة إن كانت هناك جينات حاملة للمرض لديهما، أو لدى أحدهما، وممكن أن تنتقل إلى الأطفال وتسبب لهم المعاناة والألم والمضاعفات طوال عمرهم، إذ إن احتمال إنجاب طفل مصاب بالثلاسيميا يعادل نسبة 25 %.
فتوى شرعية
وقد حث المرجع الاعلى آية الله العظمى السيّد علي السيستاني بشدة على إجراء الفحص الطبي قبل الزواج، خاصة عند وجود احتمال انتقال أمراض وراثية مثل الثلاسيميا. وقد ورد ذلك في استفتاء منشور في موقعه الرسمي، الذي جاء فيه:
*هل يجوز شرعاً إلزام المقبلين على الزواج بإجراء فحص الثلاسيميا؟
-الجواب: "يجوز ذلك إذا كان بنحو الإرشاد أو التوجيه، ولا يجوز إجبارهم عليه ما لم يكن القانون ملزمًا بذلك".
وعن الزواج في حالة ثبوت إصابة الطرفين بالثلاسيميا الصغرى، يُجيب السيد السيستاني أيضًا: "لا يُحرَّم الزواج في هذه الحالة شرعاً، لكنه يُستحسن تجنّبه لما فيه من احتمال إنجاب أطفال مصابين بالثلاسيميا الكبرى، وهي حالة مرضية شديدة ومُكلفة".
أعراض ومعاناة
د. سارة إحسان، اختصاصية أمراض وراثية، تحدثت عن أهمية الفحوصات الطبية قبل الزواج، وقالت: "ليس فقط إن كان المتقدمون على الزواج مصابين بمرض الثلاسيميا، بل ممكن عند الفحص تًكتشف أمراض وراثية أخرى لديهم، من الممكن علاجها قبل انتقالها إلى الأطفال." كما أشارت، فيما يخص الثلاسيميا، إلى أن "غالبية الناس لا يفرّقون بين فقر الدم العادي وبين مرض الثلاسيميا، فلكلٍّ منهما أعراض واختلاف في عمل كريات الدم الحمر داخل الجسم." وأوضحت أن الأعراض التي تصاحب المرض بعد خلل هيموغلوبين الدم وكريات الدم الحمر كثيرة، منها تكدس كريات الدم الحمر في أعضاء الجسم، خاصة (الطحال)، فإنه في حالات كثيرة يجري استئصاله بعد تضخمه وتوقف عمله الطبيعي.
وهو الأمر الذي عانى منه فؤاد حسين، وهو أب لبنت وولد، كلاهما مصاب بالثلاسيميا. فابنه علي عمره 8 سنوات فقط، وهو يتألم لمعاناته، إذ جرى استئصال الطحال لديه بسبب تضخمه، وانتفاخ بطنه، وعدم قدرته على المشي الطبيعي. مؤكدًا أنه بعد إجراء العملية ورفع طحاله أصبح أفضل نسبيًا، لكنه ما زال يعاني من تبديل دمه كل أسبوعين، مع تذمر من الطفل بسبب العلاج الذي يأخذه كل يوم صباحًا قبل الأكل، وما يصاحبه من عدم تقبله للطعام بعد ذلك، أو تقيؤ أي شيء يدخل فمه. فيما كانت ابنته (حوراء)، التي تبلغ 16 عامًا، تعاني من خلل في النمو بدا واضحاً جداً بالنسبة لعمرها. فحوراء يبلغ وزنها 36 كيلوغرامًا فقط، وطولها 145 سم، ما جعلها تعاني، وتأخذ علاجًا لأجل النمو، إضافةً إلى علاجها لمرضها الثلاسيميا. يطلق الأب حسراته وهو يقول: "وكل هذه المعاناة مع ولدي وابنتي تضاف لها معاناة عدم توفر العلاج لهما دومًا، فأحيانًا يختفي العلاج حتى من المذاخر، ولك أن تتخيل هلعي إن لم أبدل لهما الدم كل أسبوعين مع علاجهما!"
اختلاف وفروقات
د. عبد الستار حمادي، اختصاصي الصحة العامة، يذكر معاناة، وأهمية الدقة العالية أيضًا، في عملية نقل الدم للمرضى كل أسبوعين، التي يجب أن تخضع للحذر الشديد من التعرض للفيروسات، أو التحسس لأجسام المصابين. موضحًا أن هذا المرض، وخلله الجيني، الذي يصيب هيموغلوبين الدم، إنما يعود إلى اضطراب في نسبة خلايا ألفا وبيتا، إذ إن ألفا موجودة في منطقة الشرق الأوسط والعراق، أما البيتا فهي في جنوب شرق آسيا والصين، فأي خلل زيادة أو نقصان فيهما يسبب الثلاسيميا ودرجته، فهناك ثلاسيميا كبرى، وهي التي خُصصت لها مراكز صحية ذات تخصص عالٍ للعناية والاهتمام بالمصابين بها، وهناك الثلاسيميا الصغرى الأخف منها.