100%
خضير الزيدي
كل أمكنة التاريخ باقية في سجلات العصر القديم، لكن مدينة مثل كربلاء المقدسة تختلف في بقائها كشاهد حيّ على مسيرة التاريخ وحوادثه. فما إن تُذكر كربلاء، حتى يتناهى لمسامعك أنها فجوة الأمكنة ووقائع الدم ومسيرة الشهادة.
كيف تتربّع هذه البقعة الطاهرة في خريطة الوطن الذي نحب، واسمه العراق؟ ولماذا يحجّ إليها محبّو أهل البيت في شهرين محرّمين مثل شهري محرم وصفر؟ فهل باتت مدينة الشعائر التي تحظى بأهميتها، أم هي واجهة تزداد رسوخًا في تاريخ العالم؟
مدينة المراقد
عُرف عن مدينة كربلاء أنها تضم مرقدي الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس عليهما السلام. جاءت مكانتها التاريخية من اعتبارات عدة، أولها البُعد الروحي والجانب الديني، ولأن وقائع التاريخ ذكرت أنها تضم كنائس قديمة وآثارًا حيّة لم تزل قائمة حتى يومنا هذا.
لكن اللافت في هذه المدينة هو تعدد المراقد والمقامات، وما عمل عليه القائمون فيها من تتبّع في البناء والتطور العمراني، والتأكيد المستمر على إضفاء السِّمة الروحية لما يحيطها من أبواب مرصّعة بالفضة والذهب، وستائر من الحرير، والثريات المتدلّية من أسقفها المتلألئة. لقد مضت قرون على تشكّل المدينة، ومع كل عام يأتي، تكثر الرايات وتُنصب مواكب العزاء، لتمثّل تحدّيًا لمن يريد إقصاء أو تجاهل مكانة هذه المدينة، ومن يتربّع في أرضها من أهل بيت النبوة.
تاريخ الأضرحة
إذا كان المؤمنون من جموع المعزّين يذهبون إلى مرقدي الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس عليهما السلام، فلا بد من المرور على مرقد الشهداء، وهو المكان القريب من الضريح الحسيني الشريف، حيث يضم مرقد أصحاب الإمام المدفونين في مكان واحد، ويُعدّ من العلامات البارزة على قبور الصحابة في ذلك اليوم المؤلم بعد العاشر من عاشوراء.
عُرف عن مرقد الشهداء أنه مصنوع من الفضة، يطلّ شبّاكه على الحرم الداخلي، ومكتوبة فوقه أسماء المستشهدين بين يدي الإمام الحسين عليه السلام. وليس ببعيد عن المرقد الحسيني الشريف، نذهب إلى مرقد حبيب بن مظاهر الأسدي، هذا الصحابي الجليل الذي استُشهد في موقعة الطف. أيضًا، هناك مرقد إبراهيم المُجاب، الذي له منزلة ومكانة عند الإمام الحسين، وهو أوّل من سكن الحائر، ويقع مرقده في رواق حرم الإمام الحسين. أما المذبح الحسيني الشهير، فيقع على بُعد أمتار من مرقد سيّد الشهداء، باتجاه الركن الجنوبي قبالة باب الزينبية والرأس الشريف، وله مكانة ورمزية معروفة عند الزائرين. والمذبح مصنوع من شبابيك الفضة والذهب النفيس.
أهمية روحية
لا تخلو مدينة كربلاء من مراقد لأسماء دينية وتاريخية لها مكانتها وقدسيتها الروحية. فهذا مرقد عون بن عبد الله، الذي يقع على بعد عشرة كيلومترات من مدينة كربلاء، تعلو مرقده الشريف قبة تتوسط الصحن، ويمرّ في الوقت الحاضر بإعمار وبناء جديد يتميز بالصلابة والنقوش الإسلامية والمنارات العالية.
أما على يمين شارع فهناك قبلة الإمام الحسين، وسيتوقف الزائر عند مرقد ابن فهد الحلي، وهو العلّامة جمال الدين، من أكابر علماء الشيعة وفقهاء الإمامية في القرنين الثامن والتاسع الهجري. مرّ المرقد بأكثر من إعمار شمل تجديدًا، وإكساء القبة من الداخل والخارج بالمرايا والمرمر، لما يُمثله صاحب المرقد من أهمية علمية وروحية. أما مرقد الحُرّ الرياحي، أحد شهداء الطف، فيبعد بحدود خمسة كيلومترات غربي كربلاء، ويُذكر في كتب التاريخ بأن الشاه إسماعيل الصفوي، عند زيارته لمدينة كربلاء المقدسة، أمر ببنائه.