نقلت البلاد من الملكية الى الجمهورية ثورة 14 تموز.. علامة فارقة في تاريخ العراق

تحقيقات

نقلت البلاد من الملكية الى الجمهورية ثورة 14 تموز.. علامة فارقة في تاريخ العراق
100%
وسام الفرطوسي في فجر الرابع عشر من تموز العام 1958، شهدَ العراقُ تحوّلًا تاريخيًا كبيرًا غيّر وجه الدولة والمجتمع على حدٍّ سواء، حين أنهى مجموعة من الضباط الأحرار بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم والنظام الملكي، وأعلنوا قيام الجمهوريَّة العراقيَّة. لم تكنْ هذه الثورة مجرّد انقلابٍ عسكري، بل كانت فعلًا وطنيًا متكاملًا جاء نتيجة تراكماتٍ طويلة من الغضب الشعبي والنقمة على واقع التبعيَّة الاجتماعيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة التي كان العراق يعيشها منذ تأسيس المملكة العراقية عام 1921. قرار وطني مهّدت الظروف السياسيَّة والاقتصاديَّة للثورة قبل اندلاعها بسنوات. فقد كان الشعب العراقي يعاني من تفاوتٍ طبقيٍ صارخ، وتسلّط الإقطاع، وهيمنة النفوذ البريطاني على القرار الوطني، بينما كانت الأغلبيَّة تغرقُ في الفقر والحرمان، كان البلاط الملكي ينعمُ بالامتيازات والقصور، في ظلّ حكوماتٍ وُصفت بالعاجزة عن تحقيق الإصلاح أو التصدي للتحديات الإقليميَّة. قرأ عبد السلام عارف البيان الأول من إذاعة بغداد، مُعلناً سقوط النظام الملكي، وسط ذهول الشارع العراقي، وسرعان ما تحول الذهول إلى تأييدٍ شعبي واسع، تخللته مشاهد فرحٍ واحتفاء، لاسيما في بغداد والمدن الكبرى. أُعلنت الجمهوريَّة، وتولى عبد الكريم قاسم رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع، بينما أصبح عبد السلام عارف نائبًا له. لم يمضِ وقتٌ طويلٌ حتى بدأت ملامح العراق الجديد تتشكّل. شُرعت القوانين الإصلاحيَّة، وأبرزها قانون الإصلاح الزراعي، الذي سحب البساط من سلطة الإقطاع، ووزّع الأراضي بين الفلاحين، الأمر الذي عدَّه البعضُ أولى الخطوات الجادة نحو العدالة الاجتماعيَّة في تاريخ العراق الحديث. كما اتخذت الثورة موقفًا واضحًا من القواعد العسكريَّة الأجنبيَّة، إذ تمَّ إلغاء حلف بغداد، وسحب العراق من منظومة التبعيَّة الغربيَّة، وأعيد رسم سياسة خارجيَّة أكثر استقلالًا. ولم تكن هذه قرارات إداريَّة فحسب، بل مواقف تمسُّ العمق السيادي للدولة، وتؤكد نزعة وطنيَّة حاسمة. استقلال سياسي ثورة تموز لا يمكن اختزالها في مشهد إسقاط الملكيَّة فحسب، بل يجب أنْ تُقرأ كحدثٍ وطني بكل ما حمله من طموحاتٍ وإخفاقات، إذ فتحت الباب أمام تأسيس الدولة الحديثة.. يقول الكاتب والباحث السياسي العراقي، الدكتور عبد الخالق إسماعيل حسين، في كتابه (ثورة وزعيم): "إنَّ الثورة حققت الكثيرَ من الإنجازات المهمَّة؛ أبرزُها أنَّها عززت الاستقلال السياسي، وحافظت على كيان العراق السياسي، واستقلاله وسيادته الوطنيَّة الكاملة.. فضلًا عن أنها ألغت سياسة الانحياز نحو الغرب والأحلاف العسكريَّة التي سار عليها النظام الملكي، والتي أدت إلى إضعاف العراق عسكرياً." ويضيف: "ثورة 14 تموز فجرت الوعي السياسي لدى الجماهير الشعبيَّة الواسعة التي كانت محرومة من المساهمة في النشاطات السياسيَّة، وفي مجال الوحدة الوطنيَّة وحقوق القوميات، فقد أكدت الثورة على شراكة العرب والأكراد في الوطن العراقي، مع ضمان حقوق جميع القوميات الأخرى في المواطنة الكاملة." كما اقترح قائد الثورة الزعيم عبد الكريم قاسم تأسيس الدولة الفلسطينيَّة في الضفة الغربيَّة، التي كانت تحت حكم الأردن، وقطاع غزة الذي كان تحت حكم مصر آنذاك. ثورة اجتماعية يرى الكاتب حنا بطاطو في كتابه (العراق: الطبقات الاجتماعية والحركات الثوريَّة من العهد العثماني حتى قيام الجمهوريَّة)، أنَّ "ثورة الرابع عشر من تموز حررت سياسة العراق الخارجيَّة من كل سلطان وتوجيه خارجي، وأصبحت لا تستهدف إلا مصلحة العراق ومصلحة العرب والحريَّة والسلام في العالم، وأسهمت في إقامة علاقات متوازنة مع التكتلات الإقليميَّة والدوليَّة والأفرو-آسيويَّة." ويضيف "أصدرت الثورة قانون الإصلاح الزراعي وألغت الإقطاع. وهذا بحد ذاته ثورة اجتماعيَّة لصالح الملايين من الفلاحين الفقراء، كما ألغت الثورة قانون حكم العشائر الذي كان يخوِّل شيوخ الإقطاع بحسم القضايا الجزائيَّة في مناطقهم، فضلًا عن أنها قامت بتشريع قانون الأحوال الشخصيَّة، الذي بموجبه أعاد الاعتبار للمرأة العراقيَّة التي كانت مسحوقة في جميع الأزمنة ما قبل الثورة. وبذلك أعادت الثورة للمرأة اعتبارها كإنسانة لها كرامتها وشعورها بآدميتها." علامة فارقة يقول العميد الركن والسياسي العراقي إسماعيل العارف (1919 - 1989)، وزير المعارف، في المنصب من 3 آذار 1960 حتى 8 شباط 1963، في كتابه (أسرار ثورة 14 تموز وتأسيس الجمهورية في العراق): "ازداد عدد المدارس والمعاهد العلميَّة وعدد الطلبة والمدرسين خلال أربع سنوات ونصف السنة من عمر الثورة إلى ضعف ما حققه النظام الملكي خلال 38 عامًا، فضلًا عن إرسال آلاف الطلبة إلى الخارج في بعثات دراسيَّة في مختلف المجالات العلميَّة اللازمة لبناء الركائز الاقتصاديَّة وإدارتها وإدامتها، وخاصة المرافق النفطيَّة، كما حررت الثورة النقد العراقي من الكتلة الإستريلينيَّة. وتعدُّ هذه الخطوة من أهم الخطوات في تحرير الاقتصاد العراقي من قيود التبعيَّة البريطانيَّة. ولهذا وغيره، ستظل ثورة 14 تموز علامة فارقة في تاريخ العراق، إذ نقلت البلاد من حقبة الملكيَّة إلى الجمهوريَّة، وأسست لمرحلة جديدة من السيادة الوطنيَّة والتقدم الاجتماعي.

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج