100%
خضير الحميري/
من الملاحظ أن كل زيادة تحصل في أعداد البرامج الحوارية تقابلها زيادة طردية في أعداد المحللين السياسيين. ومادامت القنوات التلفزيونية وقنوات (البودكاست) تتكاثر بالانشطار الثنائي البسيط، ومعها تتكاثر برامج (التوك شو)، فالنكتة التي تتناقلها الأفواه، وتتلقفها الأسماع، التي تقول إن آخر إحصاء لعدد المحللين السياسيين في العراق بلغ (46 مليون نسمة) صحيحة! أو هي تقترب من الصحة يومًا بعد آخر. ليس لأن العراقي -بطبيعته- مولع بالتحليل السياسي، كما يوحي ظاهر النكتة، ولكن لأن كل قناة نفتحها تصفعنا (بجوكة) محللين.. سياسيين على رياضيين على اقتصاديين على فتّاح فالين..!
ولطالما تساءلت عن الاختصاص والتأهيل الحقيقي الذي تتطلبه مهنة المحلل السياسي، وماهي العُدة الفكرية والفلسفية المطلوبة لمن يرغب في امتهانها، فهي مهنة مطلوبة ومرغوبة، خاصة أن سوق (التحليلات) السياسية لا تبور فيه سلعة، مهما كان شكلها بشعًا ومضمونها رديئًا. فهي تمشي بحكم كثرة الطلب وتوالي الأزمات، وفي الأزمات تضيع المقاييس للتمييز بين من يحلل بضمير ووعي حقيقي، وبين من لا يحلل.. ولا يحرّم!
المحللون أنواع وأشكال، أنواعهم وأشكالهم تختلف من قناة الى أخرى، ومن اختصاص إلى آخر.. فهناك محللون مطلوبون، ليس للمعلومات الدسمة والحصرية التي يمتلكونها، وإنما للمشكلات التي يفتعلونها، والترندات التي يخلقونها. أما نحن، فهناك محلل ننتظره لنسمع منه ونفهم ما يحصل، وهناك محلل ننتظره لنسمع منه، ويختلط علينا ما يحصل، وهناك محلل ننتظره لنستذكر معه درس الإنشاء، وهناك محلل ننتظره لننسى مع (جفصاته) درس الإملاء، وهناك محلل ننتظره لنكتم الصوت تجنبا (للدُرر) التي تتطاير من فمه، وهناك محلل ننتظره.. لنغير القناة!

