حوار: محسن إبراهيم /
حين تتراقص الفرشاة بين أناملها، لا تكتفي التشكيلية تمارا الشبخون بأن تضع لونًا إلى جانب لون، بل تكتب حكاية. هناك، في فضاء اللوحة، حوار صامت بين اللون والروح، بين الأنوثة والخيال، وبين ما تراه العين وما تخبئه الذاكرة. منذ أن كانت طفلة تتجول في "حدائق الألوان"، شعرت أن ثمة نداءً داخليًا يسحبها إلى الرسم بلا استئذان. واليوم، تستضيفها "الشبكة العراقية" في هذا الحوار المفتوح عن الفن، والمرأة، والهوية. * هل الفن بالنسبة لكِ موهبة فطرية أم مكتسبة؟ - الفن بالنسبة لي مزيج من الشغف، والحب، والعشق. نعم، بدأت بموهبة فطرية، لكنني صقلتها بالتدريب والبحث والتجريب المستمر. الرسم تعبير داخلي عميق، لكنه يحتاج إلى نضج فكري وتقني، وهو ما اكتسبته من التجربة والخبرة. الإبداع لا يكفي وحده، بل يحتاج إلى مسيرة طويلة من الصبر والتعلم. * ما أبرز التحديات التي تواجه المرأة في مسيرتها الفنية؟ - التحديات كثيرة، وأغلبها يرتبط بالبيئة الاجتماعية. الأعراف والتقاليد، بل حتى بعض القراءات الدينية والثقافية قد تضع قيودًا على حضور المرأة في المشهد الفني. أحيانًا تُحاصر بأسئلة عن "دورها"، وتُحاسب على موضوعات أعمالها. لكن المرأة بدأت تكسر هذه الحواجز، وأثبتت أن الفن لا يخضع لجنس أو هوية، بل للإبداع. *هل ترين فرقًا جوهريًا بين لوحات المرأة والرجل؟ - أرى أن هناك فرقًا في الروح لا في القيمة. المرأة غالبًا ما تميل إلى التعبير العاطفي، فتغوص في تفاصيل المشاعر والروحانيات، بينما قد يتوجه الرجل نحو مواضيع أكثر عقلانية. لكنها ليست قاعدة مطلقة، فكل فنان هو نتاج بيئته وتجاربه، بغضّ النظر عن جنسه. * كيف تترجمين الخيال الأنثوي في لوحاتك؟ - المرأة ترى العالم من زاوية مختلفة، زاوية فيها الكثير من العاطفة والحدس والدهشة. خيالها لا يهرب من الواقع بل يحتضنه برؤية شاعرية. في لوحاتي، أحاول أن أجعل من الحنان والأمومة والجمال الداخلي عناصر تندمج باللون والخط، فتصبح كل لوحة امتدادًا لروح أنثى تتكلم دون كلام. * هل لديك طقوس خاصة أثناء الرسم؟ - نعم، الرسم بالنسبة لي حالة صوفية. أحب أن أكون وحدي في مرسمي، وفي هدوء تام أو على أنغام موسيقى هادئة. الألوان أمامي متاحة للتجريب بحرية. غالبًا أرسم في المساء، حين يغمرني السكون وأغرق في عملية الإبداع. لوحاتي هي حديث خافت بين اللون والروح، حيث تتجلى المرأة كرمز، لا كجسد. * هل تخططين للّوحة مسبقًا؟ - أحيانًا، لكنني أميل أكثر إلى الانجراف مع الإلهام اللحظي. أحب أن تتطور اللوحة بشكل عفوي. أبدأ بخط يشبه الحلم، وأترك اللوحة تكمل الحكاية. التخطيط مجرد بذرة، أما الإبداع الحقيقي فيولد من لحظات غير متوقعة. *من أين تستوحين أفكارك؟ - من كل شيء لا يُقال. من مشاعر داخلية، من لحظات صامتة في الشارع، من حلم يتكرر، من أغنية، من ثقافتنا العراقية الغنية، من الفلكلور، وحتى من القصائد التي لم تُكتب بعد. الفنان يرى ما لا يُرى، ويصغي لما لا يُقال. * كيف أثرت البيئة العراقية في أعمالك؟ - العراق ليس مجرد مكان، بل هو حالة. ألوانه، زخارفه، تراثه، أزياء نسائه، كل ذلك يغذّي خيالي. العراق الملون بالحياة، المثقل بالتاريخ والمعاناة، منحني حنينًا لا يفارق لوحاتي. من العباءة السوداء إلى الجبال والأنهار… كل شيء في العراق يمكن أن يكون لوحة. * حدثينا عن تجربة دمج الفن بالملابس التقليدية. -كانت تجربة فريدة، رسمت فيها لوحات مستوحاة من الشال والجلابية. أردت أن أجعل المرأة ترتدي الفن لا أن تراه فقط، فصارت اللوحة جسدًا حيًّا يتحرك. الفن ليس حكرًا على الجدران، بل يمكن أن يكون وطنًا متنقلًا، وأن يتحول من تعبير صامت إلى حياة نابضة.