الشبكة العراقية /
شهدت سينما عاشوراء، باعتبارها فرعًا من السينما الدينية، نتاجات مهمة، نجح بعضها في دخول قائمة الأفضل في تاريخ السينما، رغم اقتصارها على دولة أو دولتين في صناعة هذه الأفلام. وللتأثير الديني في بنية السينما جانبان: الجانب المباشر، الذي يتناول قصص حياة الشخصيات الدينية والشخصيات التي يمكن اعتبارها قدوة، أو التاريخ الديني لأمة. أما الجانب الآخر، الذي تحتاجه السينما والمجتمع الحديث، فهو تشكيل مفهوم أو تأثير ديني بناءً على نتيجة قصة. تعُدّ السينما من إنجازات الحداثة الإنسانية، وسرعان ما شقّت طريقها إلى آفاقها الثقافية. إنها ظاهرة جاذبة ومؤثرة للغاية، وهذه السمة هي التي جذبت انتباه الناس في مختلف أرجاء العالم: من الثقافة والفن إلى السياسة والاقتصاد، وحتى الدين. باختصار، يمكن القول إن السينما ظاهرة متعددة الأوجه والأبعاد، وهي متأثرة بالثقافة الإنسانية. رسالة مؤثرة سعى صُنّاع السينما إلى توظيف هذه الوسيلة، قدر الإمكان، لتطوير الفكر الديني وإحياء القيم الإسلامية. ومن هذا المسعى، نشأ وتطوّر مفهوم السينما الدينية. هذه الظاهرة ليست جديدة في عالم اليوم، بل إن السمات الخاصة بالمدرسة الإسلامية، وخاصة المنظور الإسلامي، تُسهّل وصول الرسائل الدينية إلى جماهير عالمية، وتُسهم عمومًا في اتساع نطاق الدين وتأثيره وانتشاره. أما التجارب السينمائية حول قضية الحسين (عليه السلام)، فتُعد محدودة، وتنحصر في عمل أو عملين، بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ومن أبرز المعوقات التي تمنع ظهور عمل ضخم يتناول قضية الإمام الحسين، هو غياب التركيز على الرؤية التاريخية والإخراجية، فضلًا عن نقص الدعم المادي، إذ إن منهجية الدعم للأفلام الرسالية لم تترسخ بعد. المطلوب أن تتوحّد الجهود، من منتجي الأفلام والحوزات الدينية، للعمل على تبني مشروع سينمائي يبيّن الأهمية الدينية لدعم القضية عبر الشاشة، مع البحث في النواحي الشرعية للأمور المرتبطة بإنتاج هذه الأعمال، بما يتيح لصنّاع السينما إنتاج عملٍ يوصِل الرسالة بطريقة إبداعية ومؤثرة. الرؤية السينمائية في السينما العالمية، تقتصر التجربة تقريبًا على بعض الأفلام الإيرانية، وأبرزها فيلما (القربان) و(السفير). كما يُعدّ الفيلم الباكستاني (دم الحسين) علامة فارقة في تاريخ السينما الباكستانية، وهو من المناسبات النادرة التي حاول فيها صُنّاع السينما الخروج عن المألوف. أخرجه المخرج الباكستاني Dehlav، وشارك فيه طاقم مشترك من باكستان ودول أخرى، منهم الممثلة البريطانية (كيكا مارخام). وقد تميز الفيلم بمستوى عالٍ من المهنية في الموسيقى والمكياج والمونتاج، حتى أصبح مرجعًا في السينما الباكستانية. يمتلك المخرج رؤية فريدة من نوعها، وحبكة بسيطة، إلا أن المشاهد يشعر منذ اللحظات الأولى بأن الفيلم يُلمّح إلى واقعة الطف. يبدأ بمشهد لرجل مسنّ يقود بعيرًا يمرّ أمام حفيده (حسين)، في إشارة رمزية إلى النبي محمد (ص). ثم يظهر العرّاف الذي يخبر الفتى بأنه سيحارب الظلم حين يكبر، إلى أن يصل المشهد الشديد الدلالة حين يرفع بطل الفيلم طفلهُ الرضيع أمام الجيش، في مشهد تتقاطع فيه رمزية الماضي بالحاضر، وسط نداء قائد المعسكر: "أنهوا نزاع القوم." الحسين والسينما العراقية في السينما العراقية خصوصًا، والعربية عمومًا، لم يُقدَّم حتى الآن عمل سينمائي يتناول واقعة الطف بشكل مفصّل. وربما يعود ذلك إلى المحاذير المتعددة التي واجهها الفنانون العراقيون والعرب بمجرد طرح الفكرة. في عام 1977، قرّر المخرج قاسم حول في لبنان أن يبدأ رحلة البحث السينمائي عن الإمام الحسين (عليه السلام)، بعدما امتزج وعيه بانطباعاته العفوية الأولى. نضجت الفكرة وأصبحت حلمًا منذ سنوات طوال، لكن تواجده خارج الوطن وفي ظروف غير مستقرة حال دون تنفيذ المشروع. عادت الفكرة لاحقًا بقوة، فكتب السيناريو خمس مرات، وأصبح جاهزًا للقراءة والموافقة. جرى استطلاع مواقع التصوير، واختيار الممثلين الذين سيجسّدون الشخصيات، ووُضعت اللمسات الأخيرة على السيناريو. لكن التنفيذ لا يزال ينتظر قرارًا جريئًا من أصحاب القرار لإنتاج هذا الفيلم المنتظر.