أحمد الساعدي /
لم تكن حراسة المرمى في العراق مجرد مركز دفاعي في الملعب، بل كانت رمزًا للصلابة ومصدرًا للأمان في المباريات الحاسمة. ولكن، منذ سنوات ليست بالقليلة، يشهد هذا المركز الحساس تراجعًا واضحًا في المستوى، انعكس سلبًا على أداء المنتخبات الوطنية العراقية ونتائجها، حتى باتت الشباك العراقية تُهزّ بسهولة، ويُشار بأصابع الاتهام إلى هذا الموقع الذي كان في زمنٍ مضى مصدر فخر كروي. في العقود الذهبية، خصوصًا خلال الثمانينيات والتسعينيات، تألقت أسماء لا تُنسى في سماء الكرة العراقية، بدءًا من الحارس الأسطوري حامد فوزي، ومرورًا بـرعد حمودي، وفتاح نصيف، وهاشم خميس الملقب بـ"الطيارة"، وعماد هاشم، وصولًا إلى جلال حسن وأحمد باسل ونور صبري، والأخير أسهم بشكل مباشر في تحقيق العراق لقب كأس آسيا عام 2007. لكن مع اعتزال نور صبري، بدأت علامات الخلل تظهر بوضوح، إذ غابت المواهب، وغاب معها الاستقرار، وسط أسئلة كثيرة حول أسباب غياب الحراس القادرين على حمل الراية. ما بين غياب الأكاديميات المتخصصة، وضعف التأهيل، وغياب ثقافة الاحتراف، تبقى حراسة المرمى العراقية في وضع هشّ، يهدد مستقبل المنتخبات الوطنية. إذن، لا بد من تدخل عاجل يعيد لهذا المركز مكانته، وإلا فإن شباك العراق ستبقى مفتوحة على الدوام. أين الأكاديميات؟ المدرب جابر محمد، مدرب حراس نادي القوة الجوية، يشير إلى أن تراجع المستوى يعود إلى عوامل متشابكة عدة، أبرزها ضعف القاعدة التدريبية وغياب الأكاديميات والمدارس المتخصصة بحراس المرمى. وأضاف: "لا توجد ستراتيجيات واضحة، ولا معايشات خارجية أو دورات تدريبية متقدمة لمدربي الحراس. كما أن غياب ثقافة الاحتراف الحقيقي عند لاعبينا، وخصوصًا حراس المرمى، يشكل حاجزًا أمام تطورهم. المؤسسات الحكومية المعنية، من اتحاد الكرة إلى وزارة الشباب، لم توفر الدعم الكافي لتأهيل الكوادر التدريبية، وهذا أثر سلبًا على مستوى الحراس." من جانبه، يرى الحارس الدولي السابق عماد هاشم أن تراجع المستوى سببه غياب التنافس بين الحراس، قائلًا: "في السابق، كنا نملك أكثر من اسم لامع يتنافس بقوة على مركز الحراسة، وهذا التنافس خلق مستويات عالية. اليوم، لا نرى هذا الحافز، حتى في الدوري العراقي، نجد أن أداء الحراس متذبذب من مباراة إلى أخرى. في مركز حساس مثل الحراسة، خطأ واحد قد يكلّف الفريق مباراة كاملة." أزمة تخطيط أما شيخ مدربي الحراس عبد الكريم ناعم، فيرفض وصف الحالة بـ "أزمة حراس مرمى"، معتبرًا أن المشكلة تكمن في غياب التخطيط والستراتيجية: "ليست هناك أزمة مواهب، بل هناك غياب للرؤية. إدارات الأندية لا تهتم بالفئات العمرية، ومعظم المدربين العاملين مع البراعم أو الأشبال غير متخصصين، رغم أنهم حراس سابقون. كما أن بعض الأندية توظف مدربين ضعفاء لسهولة التحكم بهم." وأشار ناعم إلى ضرورة "تشريع قانون يحمي مدربي الحراس ويضمن تأهيلهم بشكل أكاديمي منتظم، من خلال ورش شهرية ودورات إلزامية، وفرض معايير لتأهيل الحراس الناشئين لتمثيل المنتخبات الوطنية." سن مبكرة المدرب الدولي السابق محمد علي شدد على أهمية تنمية مواهب الحراس في سن مبكرة، عبر الانخراط في ألعاب رياضية متنوعة، مثل الجمباز أو كرة اليد، لتطوير المهارات الحركية والذهنية. وأضاف: "رعد حمودي مارس الجمباز، وعماد هاشم كان حارسًا لكرة اليد. هذه الألعاب أسهمت في صقل مهاراتهم، ومنحتهم ميزة إضافية داخل المستطيل الأخضر. أما اليوم، فإن معظم حراس الأندية يفتقرون للثبات في المستوى، لذلك تراهم يتألقون في مباراة ويتراجعون في أخرى."
