في كتابها (بابل ألبـيون).. داليـــــا الدجيلـي والوطنٌ المفقود

زياد الرسام كيف يمكن للإنسان أن ينتمي إلى مكانين في آنٍ واحد؟ وهل الانتماء فكرة ثابتة أم متغيرة مع تغيّرنا؟ بهذه الأسئلة تفتتح الكاتبة العراقية البريطانية داليا الدجيلي كتابها الأول (بابل، ألبـيون)، وهو عمل يجمع بين السيرة الذاتية، والمقالة الثقافية، والتأمل البيئي، والحكاية الشعبية، في طريقة سرد تبحث عن الجذور المشتركة بين الشرق والغرب، بين العراق وبريطانيا، بين الأساطير القديمة والأسئلة الحديثة حول الهوية. الكتاب لا يقدم إجابات لأسئلة معيّنة فحسب، بل ينسج نصوصًا شعرية مليئة بالصور والتأملات حول علاقة الإنسان بالأرض، ليس بوصفها مجرد تربة وجغرافيا، بل بوصفها ذاكرة وأساطيرَ وارتباطًا وجوديًا. "من قال إن الطبيعة ساكنة لم يشهد هجرة الفصول." بهذه العبارة تبدأ الدجيلي رحلة تأملها في الانتماء، حين تتابع أثر التغيرات الطبيعية وتربطها بسيرة المهاجر وما يحمله معه من إرث وأحلام متناقضة. أرض مشتركة تستدعي الكاتبة في نصها رموز الطبيعة في كل من العراق وبريطانيا، من نخلة التمر إلى شجرة البلوط، ومن اللاماسو العراقي إلى وحيد القرن الإنجليزي، في مزاوجة ذكية بين الأساطير العربية والإسلامية والرمزية المسيحية البريطانية. علمًا بأن الكاتبة لا تنحاز لأي من العوالم، بل تقدم توليفة تجمعهما معًا لتقول: "نحن أبناء هذه الأرض المشتركة، حتى لو فرّقتنا الحدود والهويات السياسية." داليا الدجيلي، المولودة لعائلة عراقية، المقيمة في لندن، لطالما عاشت شعور (المنفى الداخلي)، حيث تبدو الانتماءات موزعة بين بيتين، وطنين، ثقافتين، لكنها، كما تقول، لا تكتب عن نفسها فقط، بل عن جيل كامل يعيش المأزق نفسه، ويبحث عن معنى جديد لكلمة (وطن). نشيد الأسلاف نال الكتاب أصداء جيدة في الأوساط الثقافية، وكان للنقاد رأي فيه، فقد وصفته مجلة (دايزد) البريطانية بأنه "رسالة حب غامرة"، بينما اعتبرته الكاتبة المصرية علياء مورو "عملاً يلتقط بدقة توتر الانتماء والمنفى والحزن الهادئ للعيش بين مكانين." أما الناقدة والفنانة سندس عبد الهادي، فرأت أن "فيه معالجة متقنة لقضية المهاجر"، مشبهة الكاتبة بشجر البلوط، ليصبح النص في النهاية نشيدًا لأسلافنا المشترَكين في الشرق والغرب. جذور حقيقية ليست هذه هي المرة الأولى التي تكتب فيها داليا الدجيلي، لكونها محررة القسم الإلكتروني في المجلة البريطانية للتصوير الفوتوغرافي، فقد ظهرت كتاباتها في صحيفة الغارديان، وجي كيو، ودايزد، وإليفنت آرت، وغيرها من المنصات الثقافية الإلكترونية. إلى جانب ذلك، أسست مجلة (The Road to Nowhere - الطريق إلى اللامكان) المهتمة بقضايا الهوية والفن والهجرة. هذه التجربة لها أساس أكاديمي متين في الأدب الإنجليزي من جامعة إدنبرة، وهو ما ينعكس في لغتها الشعرية الممزوجة ببحث دقيق وحب واضح للتاريخ الثقافي. (بابل، ألبـيون) ليس مجرد كتاب عن العراق أو بريطانيا، بل عن العالم الذي نحمله في داخلنا، حيث تتقاطع اللغة والذاكرة والأسطورة، لنكتشف أن فكرة (الوطن) أكبر بكثير من حدود الجغرافيا. لا شك بأنه عمل شخصي يمكن أن يرتقي للعالمي في آنٍ واحد، ويعيد فتح السؤال الأزلي: أين جذورنا الحقيقية؟