100%
محمد عبد الجبار الشبوط
مثّلت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء عام 61 هـ لحظةً مفصليةً في التاريخ الإسلامي، لم تكن مجرد معركة عسكرية أو صراعًا على الحكم، بل كانت وقفةً حضاريةً ضد انحراف خطير هدد جوهر النظام السياسي الإسلامي الذي تأسس في عهد النبي محمد (ص) والخلفاء الراشدين. وقد تمثل هذا الانحراف بتحويل الخلافة إلى نظام ملكي وراثي مطلق، بدأه معاوية وتكرّس في عهد ابنه يزيد، ما دفع الإمام الحسين إلى أن يقول كلمته الخالدة: "إنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جدي."
أولًا: الخلافة الراشدة كنموذج سياسي قائم على القيم.
كان النظام السياسي الإسلامي في مرحلته التأسيسية يقوم على قيم الشورى، العدالة، المسؤولية الجماعية، والمحاسبة. لم يكن الحاكم مقدسًا أو مطلق السلطة، بل كان يُحاسب ويُراقب من قبل الأمة. وقد اتسمت تجربة الخلفاء الراشدين – رغم ما فيها من اجتهادات ونقاشات – بأنها كانت حريصة على الاحتكام إلى القيم الإسلامية في إدارة الشأن العام.
ثانيًا: التحول السياسي في عهد معاوية.
معاوية بن أبي سفيان، بعد صلحه مع الإمام الحسن، استغل موقعه لتغيير طبيعة الحكم، حيث ألغى مبدأ الشورى عمليًا. ركز السلطة في يده وجعلها أداة شخصية. اتخذ خطوة خطيرة حين فرض ولاية العهد لابنه يزيد، ممهّدًا لتحويل الخلافة إلى ملكية وراثية عضوض.
كان هذا التحول، بحسب المقاييس الإسلامية، انقلابًا مؤسسيًا على روح النظام السياسي الإسلامي، وبداية لتغليب منطق القوة والوراثة على منطق الشورى والشرعية.
ثالثًا: يزيد وملامح الملك الوراثي المطلق.
تولى يزيد بن معاوية الحكم دون أن يملك كفاءة علمية أو أخلاقية تؤهله لذلك. وقد عُرف عنه الانغماس في اللهو والمجون. ضعف الالتزام بالقيم الإسلامية الأساسية. البطش بالمعارضين (كما حصل في كربلاء، والمدينة، ومكة).
وكان لسان حاله، شأنه شأن امثاله من بني امية: "لعبت هاشم بالمُلك، فلا خبر جاء ولا وحي نزل."
وقد ورد هذا البيت في بعض الروايات التاريخية، يُقال إن يزيد أنشده بعد مقتل الحسين، لكن لا يوجد اتفاق بين المؤرخين على صحة النسبة إليه.. ومع ذلك، فإن سلوك يزيد السياسي يُجسد مضمون هذا البيت عمليًا، حتى لو لم يكن قائله.
رابعًا: ثورة الحسين كرفض حضاري.
في هذا السياق، جاءت ثورة الإمام الحسين بوصفها رفضًا قيميًا وسياسيًا لانحراف الحكم. محاولة لإعادة الاعتبار للقيم التأسيسية في الدولة الإسلامية. وقفة أخلاقية في وجه التغول السياسي وتزييف الدين.
قال الإمام الحسين (ع): "ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه؟"
خامسًا: مغزى الثورة في عالم اليوم.
إن ثورة الإمام الحسين، في دلالتها العميقة، ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي دعوة مستمرة لكل الشعوب من أجل: مقاومة الطغيان. بناء نظام سياسي قائم على الشرعية القيمية لا الوراثة. رفض التلاعب بالدين لتبرير السلطة.
وهي في جوهرها، نداءٌ حضاريٌّ لبناء دولة قائمة على العدالة والكرامة والشورى، لا على القهر والمصالح الشخصية.
ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) كانت فعلًا مقاومًا لانحراف جوهري في بنية الدولة الإسلامية، تمثل بتحويلها إلى ملكية مطلقة علمانية مغطاة بالدين. وهي تظل، في ضمير الأمة، بوصلة حضارية وأخلاقية لكل مشروع يروم استعادة كرامة الإنسان ومركزية القيم في الحكم.