100%
تصوير/ إعلام الأمانة العامة للمزارات الشيعية
النجف الأشرف / عامر جليل إبراهيم
في شهر محرّم الحرام، حين تحتدم الذكرى وتسطع معاني الفداء، تلوح في الأفق منائر مسجد الكوفة المعظّم، شامخةً كشاهد خالد على تاريخ الإسلام الأصيل ومجده العلوي. فهو قلب الإيمان النابض، ومحرابٌ تفجّرت منه أعظم المواقف والوصايا، وشهد ركوع الإمام علي (عليه السلام) وسجوده ودمه الطاهر.
في هذه الأجواء المعبّقة بالإيمان والعدل، زارت "الشبكة العراقية" هذا الصرح العريق، والتقت السيد أمين مسجد الكوفة المعظم والمزارات الملحقة به، المهندس علي صاحب جبر الجبوري، الذي أضاء لنا جوانب من تاريخ المسجد وحاضره وخططه المستقبلية.
أهمية تاريخية
عن أهمية مجسد الكوفة الدينية والتاريخية يقول الجبوري: "مسجد الكوفة ليس مجرد بناء عبادي، بل هو أحد الأعمدة المؤسسة لهوية الإسلام الحضارية. فقد شُيّد عام 17 للهجرة، وكان مركزًا للحكم والفتوى والعلم. فيه صلى الإمام علي، وكان مقر حكمه، ومنه انطلقت كبرى خطبه، وعلى أرضه سُفك دمه الطاهر. "مضيفًا: "إن المسجد منار ديني وتاريخي تتقاطع فيه القداسة مع الحكم الرشيد، تاريخيًا واليوم، هو معلم مهم لكل المسلمين وأحد المساجد الأربعة التي يُشدّ إليها الرحال."
ويؤكد الجبوري أن المسجد شهد مراحل عدة، منذ تأسيسه في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، إلى ازدهاره في زمن الإمام علي (ع)، ثم تضرره في العصور التالية.
مبيناً أن المسجد شهد عمليات إعادة إعمار متكررة أبرزها في العصرين العباسي والصفوي. وفي العقود الأخيرة، خاصة بعد عام 2003، إذ عدّت نقلة نوعية في العناية والإعمار والخدمات، تحت إشراف مباشر من ديوان الوقف الشيعي وأمانته.
يضيف الجبوري: أن المسجد يعد حاضنة لهوية الإسلام الأصيل، وموئلًا لتراث مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) من خلال برامجه الفكرية والثقافية، مثل مهرجان السفير الثقافي الدولي، والمواسم الثقافية التي تكرّس وتعزز الهوية، وإحياء المناسبات الدينية الكبرى، وتعزيز الوعي الرسالي لدى الزائر.
ويصف الجبوري أبرز التحديات التي تواجه إدارة المسجد قائلًا: من التحديات الأساسية هي الحفاظ على التوازن بين التوسعة والخدمة، وبين صيانة الأثر التاريخي وصون الهوية الروحية. كما نواجه تحديات موسمية في تنظيم الزائرين، وتحديات مستمرة في استدامة الخدمات وتطوير الكوادر، لكننا بفضل الله وبدعم المؤمنين نتجاوز هذه العقبات بحكمة وتخطيط.
مشاريع مرتقبة
وفي ما يخص إدارة شؤون المسجد، من حيث الصيانة والتنظيم، يبين الجبوري: أن أمانة المسجد تعتمد على هيكل إداري متكامل، يضم أقسامًا متخصصة في التخطيط والإنشاء والصيانة، وكوادر هندسية متطورة، إضافة إلى إدارة الخدمات، والإرشاد، والأمن، والتنسيق مع الجهات الحكومية، وكوادر إعلامية متخصصة.
عن أبرز المشاريع التطويرية المرتقب تنفيذها يقول الجبوري: لدينا مشاريع تطويرية عدة، منها ما يخص البنى التحتية والخدمات، ومنها ما يخص التوسعة العمرانية للمرافق الخارجية. ونعمل حاليًا على رقمنة بعض الخدمات، وإطلاق مشاريع ثقافية جديدة تسهم في تقديم المسجد كمنارة معرفية وروحية في آنٍ واحد.
أنشطة دينية
واثناء تجوالنا بالمسجد رافقنا السيد ذو الفقار عباس الحيدري، المعاون الثقافي لمسجد الكوفة المعظم، حيث حدثنا عن النشاطات الدينية التي تقام بالمسجد قائلًا: تُقام الصلوات اليومية، ومجالس الذكر، والدورات القرآنية والبرامج الثقافية، فضلًا عن برامج خاصة في شهري محرم وصفر وشهر رمضان، مثل قراءة دعاء كميل، والختمات القرآنية، ومجالس العزاء، والندوات التثقيفية. ونسعى دائمًا لجعل المسجد بيئةً جامعة بين العبادة والمعرفة. مضيفًا: إننا دائمًا ما نعدّ خططًا استثنائية مسبقة، تبدأ قبل المناسبات بفترة كافية، حيث تُضاف ملاكات خدمية وإرشادية، وتُنسق الجهود الأمنية والصحية، وتُقام البرامج العبادية والثقافية. ونسعى في هذه المناسبات إلى تعميق أثر الزيارة، لا مجرد تنظيم الحشود.
يؤكد الحيدري: أن نشاطاتنا لا تقتصر على ما ذكرناه، إنما لدينا برامج شبابية تتضمن ورشًا فكرية، ومحاضرات توعوية، وزيارات ميدانية، وفعاليات رمضانية ومحرمية موجهة للفئات الشابة. إضافة إلى الموسم الثقافي الذي يستهدف طلبة الجامعات العراقية ويمتد على مدار أربعة أشهر، ويستقطب خيرة المفكرين والباحثين من داخل وخارج العراق. كما ندعم المبادرات الإبداعية الهادفة، ونفتح أبواب التعاون مع المؤسسات التربوية والتعليمية.
مواسم الزيارات
وعن مواسم الزيارات وإدارة الحشود المليونية يقول الحيدري: في كل زيارة نعد خططًا أمنية مدروسة لإدارة الحشود البشرية، تشارك فيها موارد بشرية متخصصة ومدرّبة، بأعداد تتجاوز المئات، فضلًا عن استخدام تقنيات الاتصالات، وكاميرات المراقبة، والذكاء الصناعي. مبينًا: أن هناك تعاونًا فعّالًا بين العتبات المقدسة، خاصة العتبتين الحسينية والعباسية، ومع المزارات الشيعية الأخرى، كما نتبادل الزيارات والتجارب مع مؤسسات دينية وثقافية في دول الجوار، بما يعزّز الوحدة الفكرية والتكامل الخدمي.
ويختم الحيدري بالقول: لدينا إيمان بأنّ مسجد الكوفة، بما يحمله من رمزية الإمام علي (ع) الجامعة، يمكن أن يكون منبرًا للحوار، وجسرًا للتلاقي بين مختلف المذاهب والأديان. وقد احتضن في السنوات الماضية ندوات فكرية ذات طابع حواري، وشارك في ملتقيات تهدف إلى بناء السلام المجتمعي.
