100%
نصير الخزاعي
كلنا تفرجنا واستمتعنا بأفلام (السوبر هيروز)، أو الأبطال الخارقين، ولطالما صدّع أطفالنا رؤوسنا بهم، وتمنوا أن يصبحوا في يوم ما كأحدهم، ومنهم ولدي آصف، الذي كاد أن يكون مهووسًا بسبايدرمان، بالرغم من توضيحي له بأن الرجل العنكبوت ما هو إلا شخصية خيالية كارتونية، ليس موجودًا في الواقع، بل في التلفاز فقط، إضافة إلى تعليمي له بضرورة القتال بالأيدي بدل خيوط العنكبوت الوهمية التي يتمنى أن تخرج من رسغيه!
بطلنا الخارق وقصة النجاح والتعافي التي يجب أن تُخلّد سيرتها وتُدرّس، بدأ إدمانه في سن السادسة من العمر، نعم.. لا تستغرب، في السنة السادسة، فأبوه (المخرج السينمائي) كان يعاني الإدمان أيضًا، ولغبائه كان يعبّر عن حبه واهتمامه بولده بالسماح له بتدخين المخدرات معه، فعاش هذا الطفل بين أجواء إدمانية صعبة، وعند بلوغه اتجه إلى تعاطي الكحول يوميًا حتى أدمنها هي أيضًا.
كبر الفتى ودخل عالم السينما والتلفزيون والمسرح، وأصبح ممثلًا له أعمال عديدة، رُشّح أحدها إلى جائزة الأوسكار، وهو فيلم (تشابلن) 1992، بعدها بدأ مساره تصاعديًا حتى كان السقوط المدوّي في سنة 1996، حين أُلقي القبض عليه بتهمة حيازة المخدرات، ثم خرج من السجن، ليسجن بعدها، وهكذا قضى حياته بين السجون، بتهم التعاطي وحيازة المخدرات.
كان ضائعًا بحق، يعاني من الكآبة والفقر والأمراض. في سنة 2001، بعد أحد (خروجاته) من السجن، عُثر عليه ثمِلًا وحافي القدمين يتجول في مدينة (كولفر) في ولاية كاليفورنيا، فاعتُقل لاشتباهه بحيازة المخدرات. على إثر هذه الحادثة فُصل من دوره في مسلسل تلفزيوني كان قد اتُّفق عليه، وفُصل من وظائف أخرى في السينما والمسرح. لكن، وبدلًا من سجنه، أمر القاضي بإعادة تأهيله، فدخل الممثل المفلس إلى مركز إعادة التأهيل.. وبدأت رحلة التعافي!
كان لزوجته الأثر الكبير في إقلاعه عن الكحول، إذ صرحت بأنها هددته بهجرانه وأعطته الإنذار النهائي، إن لم يقلع، ستهجره فعلًا. وكان صادقًا معها، فقد أقلع نهائيًا عن الكحول في سنة 2003، واستمر بالتعافي، خصوصًا بعد التزامه ببرنامج "الـ12 خطوة"، وهذا البرنامج هو من أهم برامج التعافي، الذي له علاقة بالإيمان والدعم الروحي.
وكذلك التزم الممثل بالعلاج النفسي، والتأمل، واليوغا، والرياضة، فتحسّنت نفسيته ووضعه. لكن مسيرته المهنية لم تعد بعد، حتى ساعده الممثل والمخرج (ميل غيبسون) بتأمين المسؤولية عليه، حيث لم يكن صناع الأفلام يأتمنونه، وكان من المستحيل حصوله على فرصة أخرى، فاشترك في فيلم (المحقق الغني). وبعده عمل في أفلام عدة، حتى اكتسب الشهرة العالمية في سلسلة أفلام (الأفنجرز)، أو المنتقمون، بتأديته لشخصية توني ستارك، أو الرجل الحديدي!
إنه الممثل روبرت داوني جونيور.. الذي عانى من إدمان المخدرات والكحول، لكن بفضل إرادته القوية وبفضل زوجته المحبة، غيّر حياته، من حالة الرفض التي كان يتعرض لها من صناع الأفلام، إلى أن أصبح شخصًا تسعى إليه الستوديوهات والمخرجون. كانت رحلة تعافيه مستمرة لمدة 15 عامًا، أصبح بعدها من أشهر وأنجح الممثلين، وأكثرهم تحقيقًا للأرباح، والأعلى أجرًا في عالم الترفيه!
لذلك، فإن إدمان المخدرات ليس نهاية القصة، بل ما هو إلا محطة من محطات الحياة لبعضهم، وبإمكانك وحدك أن تكتب نهايتها؛ فإما أن تعلن استسلامك لها، فتكون نكرة، ليس أمامك إلا الموت أو السجن، وإما أن تتغلب على الصعاب، لتكتب سيرتك بين العظماء، عندها ستكون بطلًا خارقًا، ومن قصتك تُستلهم العبر.
ولا أستغرب أن يأتي ولدي في يوم ما وهو يريد دمية عليها صورتك، عندها أقول له بأن هذا البطل هو بطلٌ حقيقي، وليس مثل سبايدرمان.. الموجود في التلفاز فقط!