متحف العتبة الحسينية… حيث تُروى الحكايات وتُصان الذاكرة

عبد الحسين بريسم احتفى متحف العتبة الحسينية المقدسة باليوم العالمي للمتاحف، بالتزامن مع مرور 15 عامًا على تأسيسه، وسط حضور رسمي وديني وثقافي، تقدمهم الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة حسن العبايجي، إلى جانب شخصيات أكاديمية ودينية وثقافية، وجمع من الزائرين والمهتمين. وقد شاركت "الشبكة العراقية" في تغطية هذه الاحتفالية التي جمعت بين رمزية المناسبة وعمق التاريخ. اهتمام خاص في كلمته خلال الحفل، أكد الأمين العام للعتبة، حسن العبايجي، أن المتحف يحظى باهتمام خاص من الأمانة العامة، بوصفه "وسيلة إعلامية عينية ذات تأثير عاطفي وروحي في نفوس الزائرين." مشيرًا إلى أن المتحف أصبح اليوم واحدًا من المتاحف المشهورة، لما يحتويه من نفائس وقطع أثرية ترتبط بواقعة الطف الخالدة. وأضاف العبايجي: "نحن مستمرون بدعم هذا المشروع الثقافي الذي يُجسد الهوية الثقافية للمجتمع العراقي وعموم المسلمين، ونعمل حاليًا على إنشاء متحف كبير بمواصفات عالية في صحن العقيلة زينب (عليها السلام)، لعرض المزيد من النفائس والمخطوطات والقطع الأثرية التي توثق واقعة الطف وغيرها من المحطات التاريخية المهمة." كنوز العالم افتُتح المتحف في الثالث من شعبان عام 2011. ومنذ ذلك الحين، استقبل ملايين الزائرين، كثيرٌ منهم يعودون لزيارته مرات عدة، لما يتركه من أثر وجداني وروحي ومعرفي. وعند التجوال داخله، تستوقفك راية قديمة كانت ترفرف يومًا فوق قبة الإمام الحسين (عليه السلام)، معلقة الآن خلف زجاج شفاف، كأنها لا تزال تنبض بنداء لا ينطفئ. خيوطها الخضر والذهبية تنسج اسم "حسين" على مهل، كبوابة تفتح على عالم من الخلود. ذاكرة حية الكاتب والمصور الفوتوغرافي حكمت العياشي وصف زيارة المتحف بأنها "ليست تجربة بصرية لمشاهدة مقتنيات نادرة فحسب، بل هي رحلة عميقة في الذاكرة الإسلامية والعراقية، وتأملٌ في تاريخ طويل من النضال والقداسة والفن." وأضاف: "المتحف يمثّل نقطة التقاء بين الرمزية الدينية والوعي البصري، إذ تشعر وأنت تتنقل في قاعاته بأنك تمشي داخل صفحات من كتاب لم يُغلق بعد. طريقة العرض مدروسة بعناية، لا تكتفي بإبراز قيمة القطعة، بل تضعها ضمن سياقها التاريخي والديني والاجتماعي. من الأسلحة، إلى الرايات، إلى الزيّ الخاص بخَدَمة العتبة، إلى المخطوطات والصور والوثائق، كل عنصر يعكس بعدًا إنسانيًا وروحيًا وثقافيًا." ويؤكد العياشي أن المتحف يتمتع ببُعد تربوي واضح، إذ لا يقدّم الماضي كصورة جامدة، بل يشارك في بناء وعي جديد لدى الزائر، لاسيما لدى الأجيال الشابة، حول أهمية حفظ الرموز التاريخية والدينية. كما تضيف عناصر العرض التفاعلية والشروحات الواضحة بُعدًا تربويًا وثقافيًا يُقرّب المتحف من زائريه أكثر. ومع تركيزه على سياق العتبة المقدّسة، إلا أن المتحف يضيء أيضًا جوانب من الحياة الكربلائية والعراقية، من خلال عرض تفاصيل العمارة، والحِرف، والصور النادرة، ما يمنحه بُعدًا مجتمعيًا وإنسانيًا حيًّا. توثيق وتاريخ في زمن تُهدَّد فيه الذاكرة البصرية بالاندثار، يأتي متحف العتبة الحسينية ليعلن بثقة أن "الحكاية ما زالت محفوظة." إنه يوثق اللحظة قبل أن تذوب، ويحفظ الرماد قبل أن تخفت النار، ويقول لكل من يبحث عن الحقيقة: "هنا… تُروى من مصادرها." إن هذا المتحف لا يمثل فقط بعدًا دينيًا أو تراثيًا، بل هو مشروع ثقافي توثيقي متكامل، ومجالٌ مفتوح لكل من أراد أن يقرأ التاريخ بعيدًا عن التشويه أو التحريف. هو متحف، نعم، لكنه أيضًا شاهد حي، ومَعلَم روحي، ووصيٌّ على ذاكرة لا تموت.