نوف عاصي: نجــــوت من الحروب لأصنع السلام

قصة نجاح

نوف عاصي: نجــــوت من الحروب لأصنع السلام
100%

الشبكة العراقية /

جمار قلب أبيها، وحبّة قلب أمها هكذا تصف عائلة نوف عاصي ابنتهم. نوف ابنة جيل وُلد بين حربين، على أعقاب حرب ثالثة، في عام 1989. نشأت في مدينة غاب عنها السلم والسُكّر والسلام؛ إذ حوصرت البلاد، وأغلق الديكتاتور أبوابها على أبنائها، ليطحنهم الجوع والألم. خلال سنوات دراستها لتصميم الأقمشة في كلية الفنون الجميلة (2008–2011)، حرصت نوف عاصي على أن تربط موهبتها الفنية بروح العمل التطوعي. في وقت لم تكن فيه ثقافة التطوع راسخة في البلاد بعد عقود من الحكم الدكتاتوري، اختارت نوف أن تملأ الفراغ بالمحبة. كانت تقرأ القصص للأطفال المصابين بالسرطان، وتعرض لهم أفلاماً قصيرة، وتلعب معهم في مستشفى الطفل المركزي، إيماناً منها بأن الفرح شكل من أشكال المقاومة، وأن بضع لحظات من الحنان قد تضيء يوماً معتمًا في حياة صغيرة. صورة بغداد بعد إتمام دراستها في كلية الفنون الجميلة، لم تكتفِ نوف عاصي بأن تحمل شهادة أكاديمية، بل أرادت أن تحمل رسالة. انضمت إلى جمعية الأمل العراقية، وهناك بدأت تتلمّس دروب العمل المدني والميداني، تراقب عن كثب كيف يمكن للفكرة أن تتحوّل إلى فعل، وللنية الطيبة أن تصنع فرقًا. في تلك المرحلة، لم تكن بغداد تُذكر في الأخبار إلا مقرونةً بالدمار. كانت صور المدينة في نتائج البحث لا تشي بشيء من جمالها القديم: تفجيرات، مبانٍ متفحمة، وأمهات ثكالى. لكن نوف كانت تؤمن أن بغداد، التي كان اسمها دار السلام، لا تستحق هذا المصير وحده. صناعة السلام مع زميلها زين محمد، بدأت تطرح فكرة مهرجان مدني، يقيمه الشباب لأنفسهم، لا دعوة فيه لحزب أو جهة، بل دعوة لفرح جماعي، يشبه تلك اللحظات المنسية من السلام. كانت الفكرة بسيطة: أن يعاد لبغداد شيء من صورتها الأصلية، أن يراها الأطفال لا كمدينة خائفة، بل كحديقة مليئة بالأغاني والبالونات والرسومات. ومن هنا وُلد مهرجان السلام في دار السلام، أول مرة، بخجل، في حديقة أبي نوّاس، بخمسين متطوعًا وحلم صغير... لكنه في حقيقته كان إعلانًا جريئًا: أن السلام لا يُرجى من أحد، بل يُصنع. وخلال عشر سنوات، نما المهرجان ليضم أكثر من 1000 متطوع دائم، و30 ألف زائرسنوياً، وثلاث محافظات انضمت له (البصرة والسماوة والديوانية ) وأصبح منصة مفتوحة للعروض الموسيقية، والمبادرات البيئية، وورش الدعم النفسي، وأكشاك الحِرَف اليدوية وحملات إغاثة ودعم للشباب. نافذة الأمل "ما يجعلني أكثر خبرة من زملائي الغربيين هو أنني نجوت من الحرب والإرهاب… تفجّر منزل عائلتي ونجوت، وعشتُ طفولتي بين حربين." بهذه الجملة تُلخّص نوف عاصي سرّ حضورها القوي في ساحات النزاع حول العالم. فهي لم تدرس السلام من الكتب، بل عايشته تحت الركام، وعرفته في لحظات الخوف حين كانت تهمس لنفسها: "إن نجوتُ، فلن أغنّي أغنية الحرب مرّة أخرى". بعد أن استعادت إنسانيتها تدريجيًا إثر سنوات الاحتلال والاقتتال الطائفي، قررت نوف أن تكون جزءًا من العلاج، لا الندب. حملت أدواتها، وراكمت خبرتها الميدانية، ثم التحقت بمنظمة الإنقاذ الدولية لتبدأ مسيرتها العالمية في بناء السلام. من مخيمات النازحين في الأنبار ونينوى، إلى جنوب السودان، ثم إثيوبيا، مرورًا بأفغانستان وبنغلاديش وسوريا والسودان، وصولًا إلى غزة؛ كانت نوف تفتح نافذة أمل في كل مكان تحط فيه. في هذه البيئات التي التهمتها الحروب، أسست نوف مساحات آمنة للنساء والأطفال، وقدّمت برامج للدعم النفسي والاجتماعي، ودربت فرقًا محلية على كيفية إعادة بناء المجتمعات من الداخل، لا من الخارج. لم تكن مهمتها إعطاء الدروس، بل مشاركة النجاة. "نجوتُ… لكن ليس كشخص كامل"، تقول نوف. "تعلمتُ أن أقدّر الأشياء البسيطة، أن أُخفي ندبي خلف ابتسامة، وأن أزرع بذور الأمل حتى في أكثر الأماكن ظلامًا. وهذا ما يجعلني أُشفق وأغضب… من العالم الذي يرى صور غزة ولا يشعر بها". هكذا اختارت نوف أن تكون السلام… لا أن تكتفي بالدعاء له.

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج