100%
ترجمة/ آلاء فائق
سنوياً، تُقام فعاليات على نطاق واسع في العالم لإحياء ذكرى معركة كربلاء، ورثاء مقتل الإمام الحسين حفيد النبي (ص)، حيث يُحيي عشرات الآلاف من المسلمين في جميع أنحاء العالم ذكرى عاشوراء السنوية، ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) في اليوم العاشر من شهر محرم، وهو الشهر الأول في التقويم الإسلامي.
إنها فترة حزن مهمة، ولاسيما للمسلمين الشيعة، لأنها تمثل ذكرى معركة كربلاء، التي وقعت في القرن السابع الميلادي في العراق، عندما استشهد الإمام الحسين (ع). وتعدّ وفاته رمزًا لنضال الإنسانية ضد الظلم والاستبداد والقمع. وتتمثل الطقوس والشعائر الأساسية ليوم عاشوراء بالتعبير العلني عن الحزن، والصيام التطوعي، وقد يلجأ البعض إلى جلد أنفسهم بالسلاسل أو بأطراف السيوف الحادة، تجسيداً لمعاناة الحسين قبيل استشهاده.
عاشوراء يوم مهم في الإسلام، يتميز بطقوس متنوعة. وبينما يُحيي المسلمون السنّة عاشوراء بالصيام والصلاة، يُقيم المسلمون الشيعة فعاليات أكثر تفصيلًا تشمل المواكب والعروض المسرحية والضرب على الصدور.
صياغة التقاليد
رسم المدوّن الباكستاني (فهد دسموخ) خريطة لاحتفالات الناس بشهر محرم في مختلف البلدان. لكنها ليست شاملة، فهناك العديد من مقاطع الفيديو على يوتيوب من جميع أنحاء العالم، جميعها تُظهر التنوع الكبير للطقوس ومدى انتشارها. تعكس الخريطة ومقاطع الفيديو بدقة أنماط الهجرة ونزوح الناس منذ أحداث كربلاء عام 680 ميلادي إلى جميع أنحاء العالم، كما تُلقي الضوء على تطوّر الطقوس والتقاليد وصياغتها باستمرار بمرور الزمن والهجرة.
انتقلت الطقوس شرقًا من العراق، عبر إيران إلى شمال الهند في فترة ما بين عامي 1300 و1700 للميلاد، وشارك فيها المسلمون من جميع الطوائف، إذ حتى الهندوس يشاركون فيها بنشاط. وفي موريشيوس (جزر إفريقية صغيرة تقع وسط المحيط الهندي)، تُعرف عاشوراء باسم (غون).
خلال فترة الحكم البريطاني، سافر آلاف العمال الهنود المتعاقدين إلى مناطق نائية من الإمبراطورية البريطانية، كفيجي، وموريشيوس، وجزر الكاريبي، حاملين معهم هذه الطقوس. في ترينيداد، عُرفت هذه الطقوس باسم مهرجان (هوساي)، الذي يشارك فيه أيضًا الأفرو-ترينيداديون. ولا تزال الطبول خير شاهد على ذلك.
مواكب لندن
تهتم المراكز الإسلامية، والجوامع، والحسينيات، في بريطانيا، كل عام برعاية التجمعات الكبيرة للمسلمين في عاشوراء، حيث تُقام مجالس العزاء والمواكب الحسينية، ولاسيما في (هايد بارك) بالعاصمة لندن.
تشارك الجالية العراقية، مع الجاليات العربية والإسلامية في المملكة المتحدة، ومنها مشاركون من لبنان، والبحرين، والسعودية، وسوريا، وإيران، وباكستان، وأفغانستان، وتركيا، والهند. كما يشترك في هذه الفعاليات مواطنون إنكليز وأوروبيون من مختلف الأديان والمذاهب. وتسير الجموع في الشوارع حاملين شعارات مكتوبة، وأعلامًا ورايات، ناهيك عن الرموز الدينية الدالة على معركة الطف. كما يوزع المشاركون الكرّاسات والكتيبات لتعريف الناس – ولاسيما من غير المسلمين – بالإسلام وسيرة أهل البيت (عليهم السلام).
اعتاد مسلمو بريطانيا على إقامة مجالس عاشوراء سنويًا في المساجد المهيّأة لاستقبال المناسبة، كما تنطلق المواكب الحسينية باتجاه وسط لندن حتى تنتهي في (هايد بارك).
يُعد الإسلام في المملكة المتحدة ثاني أكبر ديانة، إذ يصل عديد المسلمين إلى أكثر من مليوني شخص، ويوجد في بريطانيا أكثر من ألف مسجد ومصلّى.
مراسم الحداد في إيران
تُقيم إيران مراسم حداد لإحياء ذكرى عاشوراء واستشهاد الإمام الحسين (ع)، وتُعدّ هذه المراسم ركنًا لا يتجزأ من المبادئ الإسلامية الإيرانية وهويتها الثقافية. تشمل الطقوس والعادات والعروض الدينية – وخاصة المراثي – جزءاً من تراث عاشوراء غير المادي. وقد تطورت هذه المراسم محليًا في جميع أنحاء إيران بما يتناسب مع الثقافة، واللغة، والجغرافيا المحلية، لتتحول إلى طقوس متنوعة تختلف من مكان إلى آخر.
من بين هذا التراث غير المادي، تبرز مسرحية (التعزية)، وهي مسرحية تُعيد تمثيل الأحداث التي أدت إلى استشهاد الإمام الحسين، وقد سُجّلت في قائمة اليونسكو للتراث العالمي غير المادي منذ العام 2010، كما أنها جزء من التراث الوطني الإيراني.
الصيام في المغرب
يُحيي المغاربة ذكرى عاشوراء من خلال الصيام والصدقة وتكريم الموتى وتحضير أطباق خاصة، والقفز فوق النيران، وإقامة المهرجانات. أما في القطيف، شرقي المملكة العربية السعودية، فتتميز أيام عاشوراء بالعديد من الأنشطة. فما إن يدخل الزائر إلى القطيف، حتى يُدرك أن حدثًا كبيرًا يستقطب المدينة. يستثمر المشاركون وقتهم في حضور عشرات المحاضرات، ومنها جلسات (اللطمية) التي تتضمن تلاوات شعرية لإحياء ذكرى عاشوراء، وفهم ما دار من صراعات. ما يميز القطيف في شهر محرم هو تجمع أبناء المنطقة لمحو أية مشاعر سلبية وتعزيز مشاعر الود والتسامح.
محاضرات في إفريقيا
ينظم العديد من مدن النيجر فعاليات حسينية لإحياء ذكرى عاشوراء، فتزدان شوارعها منذ الأول من شهر محرم بجموع غفيرة من الرجال والنساء والأطفال، يجري خلالها إلقاء المحاضرات، وصلوات الجماعة، وتوزيع وجبات الطعام والذبائح بثواب صاحب الذكرى (ع). أما في تنزانيا، فيُحيي المسلمون عاشوراء بمشاركة جموع غفيرة من الرجال والأطفال، وتتضمن الفعاليات إلقاء الخطباء للمحاضرات الدينية التي تشرح أحداث واقعة الطف الأليمة، كما تجوب الشوارع مسيرات حسينية، وتُقام مجالس عزاء اللطم.