100%
أربيل / خالد إبراهيم
برغم تنوّعها الثقافي والديني، تعد أربيل واحدة من المدن التي تشهد حضورًا لافتًا للشعائر الحسينية، ولاسيما في عاشوراء. ففي كل عام ترتفع رايات الحسين عليه السلام، وتتردد أصداء المواكب الحسينية التي تستحضر ذكرى كربلاء، في مشهد ديني واجتماعي يعكس امتداد الهوية الإيمانية وتعددية النسيج المجتمعي في المدينة.
بين الطقوس الدينية والمجالس الحسينية ومواكب توزيع الطعام (الطبخ)، تبرز أربيل كمكان يزاوج بين الثابت الديني والخصوصية الثقافية، في لوحة جامعة تعبّر عن ذكرى إنسانية خالدة تتجاوز الطوائف والانتماءات.
حضور متجذر
يتحدث الشيخ علي القرعاوي، ممثل العتبة الحسينية المقدسة في إقليم كردستان قائلًا: "إقامة الشعائر الحسينية في أربيل تعود إلى أكثر من ثلاثين عامًا، بل وربما إلى زمن أقدم من ذلك. المؤمنون هنا كانوا ولا يزالون يحيون هذه الشعائر في بيوتهم، وفي المساجد، وفي الأماكن العامة، كجزء من تراث متوارث."
ويشير القرعاوي إلى أن "الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة، وبتنسيق مباشر مع المواكب الحسينية في أربيل، تنظم برامج مركزية بشكل سنوي بالتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في حكومة إقليم كردستان. ونحن الآن في العام السادس على التوالي نقيم هذه المجالس المركزية، التي باتت جزءًا من مشهد عاشورائي أصيل في المدينة."
كما يؤكد الشيخ القرعاوي أهمية التنوع في أربيل بقوله: "في هذه المدينة، تجتمع مختلف القوميات واللغات والأفكار، لكن الجميع هنا يشاركون في إحياء هذه المناسبات، وهذا ما يجعل أربيل نموذجًا فريدًا في التعايش والتلاحم في المناسبات الدينية."
قيم إنسانية
فيما يؤكد السيد علي البدران، أحد موظفي العتبة الحسينية المقدسة في أربيل، الذي يعيش في كردستان منذ أكثر من ثلاثة عقود، قوله تعالى: (ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)، الذي "هو شعار نعيشه هنا، إذ نحتفي بكل المناسبات الدينية الخاصة بآل بيت النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، سواء أكانت مجالس عزاء أو أفراح أهل البيت عليهم السلام. فالمجتمع في كردستان، بكل مكوناته، يحتضن هذه الشعائر بكل حب واحترام."
ويضيف: "نحن نقيم هذه المناسبات الدينية سنويًا بالتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في الإقليم، التي نشكرها على دعمها، إلى جانب تعاون المؤسسات الأمنية التي توفّر لنا الأمان والاستقرار. كما أننا نشهد في هذه المناسبات التعايش السلمي بأبهى صوره، ونلمس كيف أن التنوع في أربيل لا يلغي وحدة المشاعر والولاء للقيم الإنسانية التي يمثلها الإمام الحسين عليه السلام."
رسالة جامعة
أما الدكتور عبد الرسول خضر، الأستاذ الجامعي في جامعة الكتاب بأربيل، فيقول:
"منذ قدومي إلى أربيل عام 2006، أشارك في المواكب والشعائر الحسينية، وخصوصًا تلك التي تقام في جامع التون. هذه المجالس هي ملتقى إيماني وإنساني يجمع كل المسلمين، وهي رسالة ألفة ومحبة يتجاوز صداها حدود المذهب والقومية."
ويتابع: "هذه الطقوس لا تفرّق بين عربي وكردي، أو بين سنّي وشيعي، بل تخلق أجواءً من المحبة والتلاحم المجتمعي، وأن إقامتها هي عمل مبارك أتمنى أن يستمر، لأنه يسهم في جمع كلمة المسلمين وتعزيز الروابط المجتمعية."
موحد القلوب
وتثبت أربيل، عامًا بعد عام، أن عاشوراء ليست فقط مناسبة دينية، بل هي مساحة إنسانية ممتدة للتماسك الاجتماعي والتقارب الثقافي بين مكوناتها. ففي المدينة التي تتعدد فيها اللغات والأفكار، يبقى الحسين رمزًا موحِّدًا يجمع القلوب على قيم التضحية والعدل والحرية. وبين أزقة المدينة، تنبعث مشاعر الولاء، ويتجدد النداء (يا حسين)، ليؤكد أن الرسالة الحسينية، وإن وُلدت في كربلاء، إلا أن صداها يصل إلى كل مدينة تؤمن بالحق والكرامة، بما فيها أربيل.