علي السومري - رسوم : علاء كاظم /
لم تكن قصيدته المختلفة ما يميزه، بل كان معناها. هو الذي عاش الشعر وعوالمه الساحرة، مغامرًا بكل ما يملك من أجل أن ينجو من الحياة! إنه سركون بولص، الشاعر الفريد، الذي شهدت مدينة الحبانية عام 1944 أول صرخة له. مدينة غادرها في صباه ليستقر مع عائلته في كركوك، التي صاغ فيها قصائده البكر، مؤسسًا فيها مع رفاقه الشعراء، مؤيد الراوي، وفاضل العزاوي، وجان دمو، وصلاح فائق (جماعتها). غادر العراق أواسط ستينيات القرن الماضي متوجهًا إلى بيروت، لينتقل بعدها إلى أميركا ودول أوربية عدة، حيث انغمس في ثقافاتها وكوّن هناك علاقات مع شعراء كبار. لم يكن شاعرًا فحسب، بل مترجمًا من الطراز الأول، لا ينقل معنى ما يترجمه دون روحه، وبهذا امتازت أغلب ترجماته، ومنها عن اللغة الألمانية (رقائم لروح الكون)، و(شهود على الضفاف)، و(غرفة مهجورة)، إضافة إلى ترجماته عن اللغة الإنكليزية، مثل (عواء وقصائد أخرى) لآلن غيسبرغ، و(قصائد مختارة) لـ و. س. ميروين، و(رسائل عيد الميلاد) لـتيد هيوز، و(قصص عالمية مختارة) لـبول بولز، و(هوشي منه / يوميات في السجن)، و(قصص مترجمة). كما أصدر دواوين شعرية عدة، من بينها (الوصول إلى مدينة أين)، و(الحياة قرب الأكروبول)، و(حامل الفانوس في ليل الذئاب)، و(إذا كنت نائمًا في مركب نوح)، و(عاصمة آدم)، و(مدينة الأنفاس الأخيرة)، و(عظمة أخرى لكلب القبيلة). كما صدر له ديوان (شاحذ السكاكين) باللغة الإنكليزية مع مقدمة للشاعر أدونيس. (بولص) الزاهد في كل شيء، لم يكن بحاجة إلا للسكينة: "تكفيني هذه المُوسيقى التي تشربها الخليقة بكلِّ مساماتها كإسفنجة ظمأى.. يكفيني صوتٌ ضائعٌ تَحمله إليَّ الريح.. تكفيني وَمضةُ برقٍ قد تكشف لي أي موكب يتهيأُ للمثول أمامي خلفَ هذا الستار الغريب الذي ينسجه المطر.." وفي ليلة من ليالي منفاه بألمانيا عام 2007، رحل سركون بصمت، بعد معاناة طويلة مع المرض، تاركًا لنا، نحن الذين نلوح له الآن احتفاءً بمنجزه الفريد، قلائد شعره الثمينة.