100%
رجاء الشجيري
الطف، بكل ما تحمله من فاجعة إنسانية غاية في القسوة والبشاعة في التاريخ البشري بحق الحسين وأهل البيت، عليهم السلام، ومعركة الحق ضد الباطل، ومشاهد الظلم والقتل والتعذيب بحقهم، ويوم عاشوراء، كيف نرويها ونوصلها إلى مخيلة وذاكرة الطفل بمراحله العمرية المختلفة حين يسألنا عنها؟ وكيف نوازن في الأسلوب القصصي الذي نورد فيه الفاجعة، دون أن نخفف من هول المأساة؟
أسلوب قصصي
تشير الدراسات العلمية والنفسية إلى أن القصة هي من أهم العوامل التي تُسهم في بناء شخصية الطفل، وتشكل مفاهيمه وسلوكه وميوله ومعتقداته وأفكاره، فهي تُنمّي الخيال لديه، إضافة إلى كونها تطوّر المحاكاة العقلية للإجابة على الكثير من الأسئلة لديه، وتساعد في زرع القيم والمبادئ والمثل في وعي الطفل عن الموجودات والحقائق حوله. بالتالي فالقصة هي المدخل والمفتاح الأول للتمهيد لما نريد أن نخبر به الطفل، خاصة أنه ليس بمعزل عن معلومات قد يتلقاها بمختلف الوسائل، سواء كانت مرئية سمعية، أو من خلال المواكب والمجالس الحسينية ووجود الشعائر والأربعينية، التي يراها الطفل ويشارك فيها مع أهله وجيرانه ومعارفه والمجتمع.
فكيف نوصل له القضية والمعاني العظيمة للحسين في مصابه من جهة، ونحميه أيضًا من سرد ومشاهد عنف لم يسلم منها حتى الرضيع من أهل بيت الرسول الكريم، وأولاد الحسن والحسين وما حدث لأولاد مسلم عليهم السلام جميعًا، وغيرها من التفاصيل المروعة الصادمة لاستيعاب الطفل لمثل هكذا فعل دموي بشع؟
مهمة صعبة
القاص خالد ناجي يبدأ الحديث عن كيفية مخاطبة وإخبار الأطفال عن واقعة الطف بقوله: "لابد لنا بداية من الإقرار بأن مهمة التعامل مع عقلية الطفل هي من أصعب المهمات، إذ تحتاج إلى تأنٍ كافٍ، تضاف إلى ذلك صعوبة حكاية عاشوراء نفسها، وما تنطوي عليه من معانٍ متعددة وعميقة. لذلك أرى أن نختار وسيلة مضمونة لتحقيق الهدف." مؤكداً أن وجود الشعائر بشكل عام والخدمة المعروفة تعتبر وسيلة مثالية، بشرط أن نستطيع التفريق بين أن تكون الشعيرة غاية أم هدفًا، وهذه مسؤولية المتصدي، وليست مسؤولية الطفل بأي حال، وهذا ينطبق على الخدمة المقدمة للزوار. يضيف خالد: "هذا جانب، أما الجانب الآخر فهو وجوب الحرص على سرد قصص معينة للأطفال، أي قصص جزئية من قضية عاشوراء، وألا تُسرد القصة بكل معانيها، لأن ذهن الطفل لن يستوعب المعاني العظيمة للقضية، وذلك بالتأكيد على قصص مثل قصة القاسم أو الرضيع، عليهما السلام لتقارب الأعمار وزج بعض المعاني فيها التي يمكن أن يستوعبها عقل الطفل."
فئات عمرية
في حين يذكر الدكتور حسين علي هارف، وهو الكاتب المتخصص بأدب الأطفال: "أنا لا أعتقد أن قصص واقعة الطف المأساوية تصلح أدبًا للأطفال، لما تنطوي عليه من عنف وقسوة ومواقف تراجيدية." مؤكدًا أنها مأساة وجريمة كبرى. "لكن يمكننا أن نركز على مبدأ الثبات على العقيدة وراية الحق، وعلى مبدأ وفكرة الأخوّة بين الإمام العباس وأخيه الحسين، عليهما السلام، وكذلك سرد وذكر ظلم الحاكم واستبداده. فمن المهم ذكر هذه المعاني للطفل والابتعاد عن المواقف الدموية القاسية."
وهذا ما أكدته الباحثة والتربوية أمل عبد الحسين، حينما حددت الأسلوب المناسب لما نخبره للأطفال ضمن فئاتهم العمرية بقولها: "عملياً يجب مراعاة الفئات العمرية حين نخاطبهم ونسرد لهم الواقعة، فمن عمر 4 - 5 سنوات: نخبرهم قصصًا بسيطة واضحة تتكلم عن الصح والخطأ وعن الحق والباطل الذي دارت حوله المعركة. ومن 6 - 8 سنوات نروي لهم القصص التي تدور حول الله والخلق والقيم والمبادئ والمنظومة الأخلاقية لقضية أهل البيت عليهم السلام. ومن 9 - 12 سنة نحدثهم بالقصص التي تدور حول النماذج الإنسانية الرائعة المتمثلة بالحسين، عليه السلام، ونماذج أهل البيت معه، التي يجب أن يقتدي بها الطفل. أما فوق عمر الـ13 سنة فيمكن أن تبدأ القصص التي تؤكد على مظلومية أهل البيت وقصص التضحية والإيثار وإعلاء كلمة الحق والمضي بدروبه."
تعايش
أما الإعلامي عمر الحسن، فإنه يرى أن "عملية إيصال قصة عاشوراء، وما جرى من أهوال على أهل البيت، عليهم السلام، في كربلاء، إلى الأطفال والجيل الجديد تشمل طرقًا عدة، لكن أفضلها هو التركيز على اصطحابهم إلى المواكب الحسينية، وحضور الزيارات المليونية، ما يجعلهم يتعايشون مع أجواء عاشوراء بشكل مباشر، مع مشاركة الأطفال في الطقوس والشعائر العاشورائية، ولاسيما الخدمة في المواكب، التي تسهم -بشكل كبير- في إيصال واقعة كربلاء بطريقة أسهل، فهم يعيشون الحدث، ويختلطون بالمعزين، ويستمعون إلى خطباء المنبر الحسيني، وقد عايشت هذه الحالة بشكل مباشر حين كان الأهل يصطحبوننا إلى المواكب الحسينية والزيارات، الأمر الذي جعلنا نتعرف بشكل أدق على واقعة الطف، وهو ما نعمل عليه اليوم من خلال أطفالنا الذين أصبحوا ينتظرون عاشوراء بكل شغف ودمعة."