100%
سجى رشيد
حين تتوشّح الكاظمية بالسواد وتتزيّن بالأعلام، لا يكون ذلك مجرد مظاهر عابرة، بل هو احتضان لدمعة خالدة لا تعرف الزوال. في كل شارع، وفي كل ركن، تتحرّك المدينة بقلوب يملؤها الشوق للحسين، وتتردد في أجوائها أنفاس من الوفاء الذي لا يلين. هنا تتلاقى الجموع في صمتٍ عميق، ليُكتب من جديد مشهد ولاء أبدي، ونداء الحسين يملأ الأجواء.
إنجاح الزيارة
كان لنا لقاء مع المهندس الشيخ عدنان محيي السعدي، شيخ عشيرة بني سعد، الذي تحدّث عن أجواء الكاظمية المقدسة خلال شهر محرّم الحرام، فقال:
"نعيش أيام شهر محرّم الحرام، الذي يحمل في طيّاته ذكرى أليمة وعظيمة هزّت وجدان الأمة الإسلامية، ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي (عليه السلام)، سبط النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، في يوم العاشر من محرّم سنة 61 هـ، وهي الصرخة التي واجهت الظلم من أجل إحياء القيم الإنسانية. وقد قال (عليه السلام): «إني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا، ولا مفسدًا ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي.»
وأضاف: "نعمل على تهيئة كل ما يسهم في إنجاح زيارة يوم (الطَبُك - العاشر من محرّم)، وفتح الأبواب لاستقبال الزائرين من مختلف محافظات البلاد، ومن دول أخرى أيضًا، ويجري ذلك بالتنسيق المباشر مع العتبة الكاظمية المقدسة، والجهات الرسمية، كقيادات الشرطة الاتحادية والمحلية، والشرطة المجتمعية، وطوارئ بغداد، إحياءً لهذه الذكرى الخالدة. كما ندعو شبابنا إلى الحفاظ على هذه التقاليد والشعائر، باعتبارها ميراثًا روحيًا يعبّر عن قيمنا وهويتنا."
واقع المواكب
من جهته، تحدّث السيد علي العاملي، أحد أبناء الكاظمية المقدسة، عن واقع المواكب وتنظيمها خلال محرّم، قائلًا:
"بالنسبة لزوار الأربعينية من داخل وخارج العراق، فإن الكثير من أهالي الجنوب يتوجّهون إلى الكاظمية المقدسة بالرغم من بُعد المسافة؛ فبعد أن يزوروا كربلاء، يتوجّهون إلى الكاظمية، ثم يعودون إلى النجف الأشرف لإحياء ذكرى استشهاد الرسول (صلى الله عليه وآله). وينطبق ذلك أيضًا على الزائرين القادمين من إيران وغيرها، الذين يتنقّلون بين المدن المقدسة."
وأوضح: "معظم مواكب الكاظمية تنقسم خلال محرّم إلى قسمين: الأول يشارك في كربلاء، والآخر يبقى في الكاظمية، إضافةً إلى أعداد أخرى من مواكب بغداد، حيث يصل عديد المواكب إلى أكثر من 50 إلى 100 موكب، فضلًا عن أهالي المدينة الذين يواصلون توزيع الخدمات بين الزائرين."
وكشف عن وجود متابعة وتنظيم للمواكب من قبل منتسبين في شعبة تسجيل المواكب، بالتعاون مع منسوبي العتبة الكاظمية المقدسة، إذ يجري تسهيل دخول المواكب وتنظيم تواجدها داخل المدينة. ويُعتبر تسهيل الدخول هو التحدي الأبرز الذي نواجهه، لكن التنسيق العالي مع القوات الأمنية يسهم في تجاوزه.
الشعائر الحسينية
لا توجد في الكاظمية هيئة خاصة بالمواكب، بل إن هناك شعبة لتسجيلها، تابعة إلى دائرة إحياء الشعائر الحسينية في ديوان الوقف الشيعي. هذه الشعبة تصدر توجيهات وتعليمات للمواكب الحسينية، ويُطلب من الجميع الالتزام بها حفاظًا على التراث الحسيني، ومن يخالف تلك التعليمات قد يتعرض لعقوبات تصل إلى حد المنع من إقامة الموكب.
وفي هذا السياق، تحدث الحاج صفاء حسين السعدي، صاحب موكب عزاء الزَرّاعة، عن تفاصيل الاستعدادات والخدمة، قائلًا: "يجري تجهيز الموكب قبل ثلاثة أيام من بداية شهر محرّم الحرام، استعدادًا لاستقبال الزائرين، إذ تتوزع المهام بين مجموعات من الخدّام، فبعضهم يتولى استقبال المعزّين، وآخرون يُخصَّصون للطبخ، فيما تتولى مجموعة أخرى توزيع الطعام، بالإضافة إلى فريق خاص يُعنى بأعمال التنظيف." مشيرًا إلى أن "دعم الموكب يكون عبر جهود خدَمَة الإمام الحسين (عليه السلام) المنتمين للموكب، ولا يوجد أي دعم من جهات رسمية أو أهلية. ولا يمكن إغفال دور أهالي المنطقة، وبعض التجّار الميسورين، الذين يسهمون خلال أيام الزخم الزياري بما يستطيعون من دعم وخدمة."
وذكر أنه "خلال ذروة الزيارة، يشارك الجميع في تقديم الخدمة بلا استثناء، ويكونون على قدر عالٍ من المسؤولية، إذ جرى تخصيص حسينية الزَرّاعة لإيواء الزائرين، ولاسيّما من أبناء المحافظات والبلدان المجاورة."
وتحدّث السعدي عن وجود برنامج وأنشطة توعوية وتثقيفية تُقام إلى جانب الخدمة، إذ يُلقي الخطيب محاضرات يستعرض فيها مصائب عاشوراء، ويُسلّط الضوء على ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، بهدف استلهام المبادئ والعقائد الدينية.
ومن بين الشباب المشاركين، حسين سليم (في العشرينيات من عمره)، الذي قال:
"أنا أشارك منذ خمس سنوات في خدمة الزائرين ضمن أحد المواكب، وأعتبرها فرصة للتقرّب من الإمام الحسين (عليه السلام)، إذ نقوم بتوزيع الماء والطعام، وتنظيف الطرق، وتقديم الإرشاد للزائرين، خصوصًا في الليل حين يكثر التوافد."
ويرى أن "هذه الخدمة غيّرتني كثيرًا، وعلّمتني معنى التضحية والتعاون، وأنا أفتخر أن أكون جزءًا من هذا العطاء الحسيني الذي لا ينقطع."