استثمار في مياه الصرف الصحي أربيل تطلق مشروعًا بيئيًا لإعادة التدوير الزراعي

اقتصاد

استثمار في مياه الصرف الصحي أربيل تطلق مشروعًا بيئيًا لإعادة التدوير الزراعي
100%

كولر الداودي

في خطوة تُعد من بين الأهم على مستوى مشروعات البنى التحتية في إقليم كردستان، تستعد مدينة أربيل لإطلاق مشروع ستراتيجي لمعالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها في الزراعة، بالتعاون مع شركة يابانية Itochu، بإشراف وزارة البلديات والسياحة في حكومة الإقليم.

المشروع الذي تبلغ قيمته نحو 195 مليون دولار أميركي، سيبدأ العمل به منتصف شهر تشرين الأول الجاري، ويمتد على ثلاث سنوات تتوزع بين مرحلتي البناء والصيانة، بحسب ما أعلنته الوزارة في مؤتمر رسمي أواخر أيلول الماضي.

يُنظر إلى المشروع بوصفه تجربة رائدة في العراق، إذ سيُعيد توظيف مياه الصرف في خدمة الزراعة والبيئة، في وقتٍ تشير فيه تقارير الأمم المتحدة إلى أن العراق يُصنّف ضمن أكثر خمس دول مهددة بشحّ المياه في العالم، وأن 90 % من مياهه السطحية تأتي من خارج حدوده، ما يجعل أي مشروع لإعادة التدوير خطوة حيوية في الأمن المائي المستقبلي.

ثماني مراحل في سياق هذا الموضوع، تحدث المهندس زردشت عبد الخالق سرسام، مدير مجاري أربيل، قائلًا: "هذا المشروع تقرر العمل به سنة 2015 بقرض من منظمة (JICA) اليابانية على نفقة الحكومة العراقية، وكان شرط الشركة المنفذة أن تكون يابانية وأن تضم اللجنة الاستشارية خبراء يابانيين أيضًا. لكنّ إنجازه تأخر بسبب الظروف التي مرّ بها العراق، من الحرب على داعش إلى جائحة كورونا، قبل أن يُستأنف الاتفاق أخيرًا مع شركة Itochu بعد مناقصة تنافست فيها عدة شركات يابانية." أضاف سرسام: "المشروع يتألف من ثماني مراحل رئيسة، وكل مرحلة تنقسم إلى مرحلتين فرعيتين، لتفادي توقف العمل في حال حدوث أية عراقيل. وتستطيع المحطة عند تشغيلها تصفية 52 ألف متر مكعب من المياه يوميًا، وهو ما يُعادل جزءًا من إجمالي المياه الثقيلة في أربيل، التي تُقدّر بنحو 318 ألف متر مكعب يوميًا. وستُقام محطة التصفية قرب الحزام الأخضر لأربيل، بعرضٍ يصل إلى كيلومترين، لتزويده بالمياه المعالجة اللازمة للري." ويشير سرسام إلى أن الدراسات تتوقع أن تغطي المحطة احتياجات المدينة لنحو 30 سنة، وبعدها ستحتاج أربيل إلى مشروع توسعة جديد لمواكبة النمو السكاني والتوسع العمراني المتوقع.

مورد زراعي المهندس دشتي عبد القادر، المتخصص في الشأن البيئي، يرى أن إعادة استخدام مياه الصرف الصحي في الزراعة لم تعد ترفًا، بل ضرورة بيئية واقتصادية، ولاسيما في ظل الجفاف الذي يضرب المنطقة منذ خمس سنوات متتالية، وانخفاض واردات المياه من دجلة والزاب بنسبة تجاوزت 60 %، وفق وزارة الموارد المائية العراقية.

يقول عبد القادر: "المورد المائي الذي كان يُهدر ويسبّب تلوثًا كبيرًا للأنهار والبيئة المحيطة، سيتحوّل اليوم إلى مصدر مستدام يخدم القطاع الزراعي. فإذا التزمت الشركة المنفذة بالمعايير البيئية التي تعهدت بها، فإن المزارعين في أربيل سيتمكنون من الحصول على مياه آمنة للري، ما سيحسّن إنتاجية التربة ويزيد المحاصيل، وفي الوقت نفسه يقلل من الاعتماد على السدود والموارد الطبيعية التي تعاني أصلًا من الشحّ." ويضيف أن "تجارب مماثلة في الأردن وتونس أظهرت أن استخدام المياه المعالجة في الزراعة أسهم في خفض استهلاك المياه العذبة بنسبة 25 %، وهو ما تطمح أربيل لتحقيقه في الأعوام المقبلة." من جانبه، يرى المواطن بيار عبد الله -من أربيل- أن نجاح المشروع لا يعتمد فقط على الشركة اليابانية أو وزارة البلديات، بل على المتابعة والرقابة المجتمعية والإعلامية المستمرة.

يقول: "لسنوات طوال كنا نرى مياه الصرف الصحي تُلقى في جداول أو أراضٍ مفتوحة مسببة روائح كريهة ومشكلات صحية، اليوم عندما نسمع أن هذه المياه ستُعالج وتُستخدم بدلًا من إهدارها، نشعر بارتياح كبير. هذا المشروع ليس مهمًا للزراعة فقط، بل لكل مواطن يعيش في أربيل." يضيف بيار: "ما نأمله أن يُنفذ المشروع بجودة حقيقية، لأننا شهدنا مشروعات سابقة بدأت بضجيج إعلامي ثم تلاشت على أرض الواقع. هذه المرة نريد أن نلمس الفرق فعلًا، وأن نرى الحزام الأخضر ينبض بالحياة بمياه نظيفة من صنعنا نحن."

إن نجاح مشروع معالجة مياه أربيل سيجعلها المدينة الأولى في العراق التي تطبّق منظومة متكاملة لإعادة تدوير مياه الصرف الصحي لأغراض الزراعة والبيئة، على غرار مدن عالمية مثل سنغافورة وعمّان ومدريد. خفض التلوث

تشير تقديرات وزارة البلديات إلى أن تطبيق المشروع سيسهم في خفض تلوث الأنهار المحلية بنسبة 40 % خلال السنوات الخمس الأولى، ويُنعش نحو ألفي دونم زراعي ضمن الحزام الأخضر حول المدينة. ومع أن الطريق ما زال طويلًا، فإن المشروع يعكس توجهًا جديدًا في التفكير البيئي لكردستان، يقوم على فكرة أن "المياه المعالجة ليست نفايات بل ثروة." وأن الحلول المستدامة تبدأ من حسن الإدارة والشفافية في التنفيذ، قبل أن تنتهي في جداول الري ومزارع الحياة.

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج