لديّ حلم

نرمين المفتي لديّ حلم… لا يسكن الليل وحده، بل يرافقني في وضح النهار. حلم لا يذوب مع اليقظة، ولا يختفي تحت وطأة الواقع القاسي. إنه حلم عن عالم أعدل، أرحم وأكثر إنسانية. لديّ حلم أن يولد كل طفل في أرض آمنة، ألا يفيق على صوت الطائرات، ولا يُعلّم كيف يكره. أن تكون المدرسة حقًا لا امتيازًا، والماء نظيفًا لا ترفًا، والسماء زرقاء لا دخانًا. لديّ حلم ألا يخاف الإنسان من أخيه الإنسان، وألا تكون الحدود سجونًا، ولا الجدران فواصل بين الأحلام. لديّ حلم أن تتوقف الحروب، لا لأن السلاح نضب، بل لأن القلوب اكتفت من الدم، وأن يُعاد تعريف البطولة بأنها القدرة على الإصغاء، لا على القتل. حلمي ليس طوباويًا، بل إنساني، واقعي، لأنه ينطلق من أبسط الحقوق التي يستحقها كل إنسان، مهما كان. قال مارتن لوثر كينغ ذات يوم: "لديّ حلم". لم تكن كلماته شعرًا، بل شرارة حرّكت أمة. حلمه لم يكن خيالًا، بل بوصلة أخلاقية في بحر من الظلم. وقد غيّر الحلم وجه أميركا، وألهم ملايين حول العالم. وأنا، حين أقول "لديّ حلم"، لا أكرّر ما قيل، بل أستأنف مسيرة لم تنتهِ بعد. ولكن حلم (كينغ) ليس استثناءً. فكلّ اختراع في هذا العالم بدأ بحلم. الكتابة نفسها، أقدم وأعظم اختراع بشري، وُلدت من حلم سومري قبل أكثر من خمسة آلاف عام، حين أراد الإنسان أن يخلّد صوته، أن يوثّق ذاكرته، أن يقول "أنا موجود"، نقش أول حرف على لوح طيني، وبدأت رحلة الحضارة. ومن هناك، من سومر، امتدّ الحلم ليشمل الشعر والعجلة، والري، والحساب، ثم الطباعة، والكهرباء، والفضاء والذكاء الاصطناعي. ولديّ أيضًا حلم عراقي، وهو أن ينتهي الفساد، وأن يُحاسب الفاسدون مهما علا نفوذهم، وأن تأتي الانتخابات بتغيير حقيقي، نابع من وعي الناس، لا من صفقات خلف الستار، وأن يُعاد بناء الوطن، لا على أنقاض الحقيقة والنزاهة، بل على أسس العدل والكرامة والشفافية، وأن يتوقف تهريب الأحلام إلى المنافي، وتعود الثقة إلى القلوب المنهكة. لديّ حلم أن يعود للمدرسة دورها، ألا يُقتل العلم على يد الجهل، وأن نعيد للغة معناها، وللحقيقة قيمتها، وللحوار روحه. لديّ حلم… والحلم لا يحتاج أكثر من قلب مؤمن، وعقل يقظ، وخطوة أولى. ربما لا نغيّر العالم كله دفعة واحدة، لكننا بالتأكيد نستطيع أن نزرع بذرة التغيير فيه.