100%
ضُحى مَجيد سَعيد
مع حلول عيد الأضحى المبارك، يتجدد المشهد الكردي ببهجةٍ تنبض من تفاصيل الحياة اليومية في إقليم كردستان العراق، حيث يختلط عبق الماضي بروح العصر، وتُستعاد التقاليد بلمسات عصرية تبرز تفرّد المجتمع الكردي في الاحتفاء بالمناسبات الدينية؛ فعلى الرغم من مظاهر الحداثة والتطور التي باتت واضحة في جوانب الحياة كافة، لا تزال عادات العيد في كردستان حاضرة بقوة، تنتقل من جيل إلى آخر، لتجسد مزيجًا فريدًا من الأصالة والتجدد.
يستيقظ سكان أربيل منذ ساعات الفجر الأولى على تكبيرات العيد التي تعم أرجاء المدينة، وتبدأ مظاهر الاحتفال مع ارتداء الرجال الزي الكردي التقليدي: السروال، والشبك، والحزام، والكالة، والكلاو.
تقول شونم صادق، ربة منزل وأم لثلاثة أولاد: "في الماضي، كان الرجال يُفصلون الكالة يدوياً، لكنهم اليوم باتوا يشترونها من أجود أنواع الجلود العالمية، وبرغم ذلك، لا تزال روح التراث حاضرة في اختياراتهم."
أما النساء، فلا تقل بهجتهن عن الرجال. تقول شونم: "النساء والفتيات يرتدين الثوب الكردي التقليدي، ويتزيّنّ بالحلي الذهبية والأكسسوارات الفلكلورية، ومع تطور الموضة، أُدخلت لمسات عصرية على هذه التصاميم، لكن دون التخلي عن الطابع الكردي المميز."
زيارات عائلية
تفتح البيوت الكردية أبوابها طيلة أيام العيد لاستقبال الضيوف، في أجواء تتخللها الابتسامات، وعبق العود و(المخمرية)، وتبدأ الزيارات العائلية، حيث يتبادل الناس التهاني، ويستقبل الأطفال الهدايا والحلويات، وتُعد موائد عامرة بأشهى الأطباق الكردية. تقول شينه لطيف باباني: "في الزيارات، نقدم الحلوى والتمور والقهوة والشاي، أما في الساحات العامة، فتنتشر فرق الفنون الفلكلورية التي تقدم عروض (الزرنة) والدبكات الكردية وسط أجواء من الفرح."
تضيف شينه: "فرحة العيد لا تقتصر على الملبس والمظهر، بل تمتد إلى أجواء المشاركة والتواصل، إذ يجري تجهيز مائدة فطور صباح العيد بأطباق لا يمكن الاستغناء عنها، مثل القيمر والكاهي، واليابسة، والطرشانة، والفاصوليا، والدولمة، إلى جانب الباجة."
تقاليد أصيلة
ولا يكتمل العيد دون الحلويات، التي باتت اليوم أكثر تنوعًا، وتكمل شينه: "بالإضافة إلى اللقيمات والبقلاوة التقليدية، أُضيفت الشوكولاتة الحديثة والفواكه، لتُقدَّم مع دلة القهوة والشاي بالهيل، التي لا تخلو منها المجالس الكردية."
وفي خضم هذه الاحتفالات، تبقى القيمة المعنوية للعيد هي الأسمى، كما يوضح عبد الله محمد البرزنجي، الذي يرى في تمسك الأكراد بعاداتهم عملًا نبيلًا يتجاوز تحديات الحياة العصرية: "الأكراد نجحوا في الحفاظ على العادات والتقاليد برغم التغيرات السريعة، صحيح أن العصر الحديث مليء بالتحديات، لكنّ أهالي أربيل يحرصون على إعادة إحياء هذه التقاليد كل عام، لتعزيز الهوية الكردية وضمان استمرارها للأجيال القادمة."
موروث ثقافي
ويؤكد البرزنجي: "سواء في المدن أو القرى، يظل الاستعداد لعيد الأضحى مناسبة ينتظرها الجميع بشوق، من خلال العناية بالمظهر، وتحضير المأكولات، وتجهيز المنازل لاستقبال الضيوف."
يظل عيد الأضحى في كردستان العراق أكثر من مجرد مناسبة دينية، إنه عيد تتجسد فيه القيم العائلية، والموروث الثقافي، وروح العطاء، فبين أصالة الأزياء، ودفء الضيافة، وصخب الدبكات الكردية، يروي كل ركن في الإقليم قصة حب عتيقة للتقاليد، لا تزال حية ومضيئة وسط تحديات العصر، ومع كل عيد، يثبت أهل كردستان أن التمسك بالهوية لا يعني الجمود، بل يمكن أن يكون انعكاسًا حيًا لتاريخ متجدد، يتزين بروح الحداثة دون أن يفقد جذوره العميقة.