ما الذي نريده من المسرح

فنون

ما الذي نريده من المسرح
100%
د. أحمد شرجي ما الذي نريده من المسرح؟ لماذا نحمّله خيباتنا وصمتنا وانكساراتنا، وقوة صوتنا الهادر بالتغيير والتنوير؟ هو عرض مسرحي نحن نشكله ونوجهه حيثما نريد ونرغب، يحمل خطاب صنّاعه، هذا العرض إن كان شعبياً (لهجة محلية)، أو باللغة الفصحى، حتماً يحمل رسائل عديدة موجهه إلى المجتمع أولاً وأخيراً. كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مسرح الناس، أو مسرح موجه للناس، من قبل المسرحيين، كتاباً ومخرجيين وممثلين، بالرغم من أن المسرح، منذ ولادته عند الإغريق، هو مسرح للناس. خطاب العرض اكتشف (أصحاب مسرح الناس) أنهم كانوا على خطأ فيما يقدمون، لأن عروضهم المسرحية بعيدة عن (الناس)، وهي موجهة للنخبة. وتكمن عشبة خلود المسرح العراقي في (مسرح للناس، أو مسرح الناس). والان يعيدون تشكيل تجربتهم المسرحية وفق المفهوم الجديد الذي يتبنونه. ولهذا اعتمدت عروض (مسرح الناس) اللهجة المحلية، وحسب طروحات صنّاعه، تشكل اللغة الفصيحة عائقاً تواصلياً مع الجمهور، ولهذا ابتعد الجمهور عن المسرح، لأن العرض المسرحي مغالٍ في رمزيته وشفراته، ولابد من الابتعاد عن كل ما يشكل قطيعة بين العرض والجمهور. منذ ولادة المسرح عند الإغريق، وهو مسرح للناس، للجمهور العريض الذي كان يفوق الآلاف في المدرج الروماني لمشاهد تراجيديات أسخيلوس وسوفوكلس ويوربيدس. المسرح ماهيته وكينونته وخطابه للناس، وليس لسكان كواكب أخرى. وعندما خفت بريق النهضة الإغريقية ثقافياً ومعرفياً وفلسفياً، وابتعد (الناس) عن القيم والأخلاق، أخذت الكنيسة من المسرح أداة مهمة لإعادة الناس إلى كل ماهو انساني وثقافي وأخلاقي، وبدأت بتقديم عروضها من أجل ذلك، ولم تفكر بلهجة محلية أو لغة أخرى، بل بخطاب العرض. هدف ورسالة لا يعني أن يكون الحوار المسرحي باللهجة المحلية أنه يؤكد هويته الجماهيرية، والعكس أيضاً صحيح، لأن الخطاب المسرحي واحد لا يتجزأ، إذ لابد أن يكون هناك هدف ورسالة يحملهما العرض المسرحي. للآن يعاد تقديم نصوص شكسبير في غالبية مسارح العالم، لأنها تحمل همّاً إنسانياً مشتركاً، ولأن العروض المسرحية المغرقة بالمحلية هي عروض ميتة، لذا لابد أن يبحث صنّاع العرض المسرحي عن مشتركات إنسانية ليقدموها للجمهور، إذاً ما الذي تبقى من نظريات تأصيل المسرح العربي؟ أطنان من الورق ذهبت مع مشروع القومية العربية في خمسينيات القرن الماضي، جهد أصحاب مشروع التأصيل، وإلباس العرض المسرحي القلنسوة والعباءة العربية تارة، وتارة أخرى العمل على التراث، ناسين أن أدواتنا المسرحية هي غربية، وهمشوا مسرح التعزية، الذي تتوافر فيه كل مقومات التراجيديا وأسسها التي وضعها أرسطو. مسرح جوال يعد الفرنسي ( جان فيلار) رائد المسرح الشعبي في العالم، الذي ذهب بعروضه إلى مناطق بعيدة عن المركز، إلى المعامل والعمال والناس البسطاء، من أجل الفعل التنويري للمسرح، وكأنه يقول لهم "إذا لم تستطيعوا المجيء إلينا نحن نأتيكم." لم يفكر فيلار بلهجة محلية وعروض بسيطة، بل إنه حمل إليهم خطابه المسرحي الذي يريد، وليس الخطاب الذي يريده الجمهور، وهذه هي مهمة المسرح، وهذا ما فعله المغربي الطيب الصديقي عندما أسس مشروعه (المسرح الجوال)، متبعاً كل خطوات جان فيلار. وفي العراق نجد أن عروض فرقة المسرح الفني الحديث في أعمال (إبراهيم جلال، وقاسم محمد، وسامي عبد الحميد) كانت قريبة إلى الناس وفق رؤى وخطاب صنّاع العرض، لأنه تأسيس مهم وتجسيد حقيقي لماهية المسرح داخل المجتمع. إن بساطة وسذاجة الخطاب المسرحي لا تعني تقريبه للناس، بل إن العكس صحيح، لأن مهمة المسرح الارتقاء بالقيم والتقاليد والذائقة الجمعية، كما فعلت الكنيسة في العصور الوسطى. إثارة الأسئلة لمدة عشرين عاماً، وأنا أشاهد المسرح في أوربا، وتحديداً في هولندا، لم نسمع عن مسرح للناس أو عروض للنخبة، لا يمكن تحنيط المسرح بمعادلات ومسلمات موجودة داخل مخيلة أصحاب المسرح العراقي وبعض البلدان العربية. في هولندا لا يمكن أن تحصل على تذكرة مباشرة، بل يكون الحجز قبل أسابيع، والعروض المقدمة أغلبها نصوص عالمية، وتحديداً عروض شكسبير ذات الأبعاد الفلسفية والتاريخية واللغة الشعرية العالية، ويكون الجمهور من عامة الناس، الذين يأتون للمسرح بكامل اناقتهم. وهناك عروض مستمرة منذ عقود تقدم على مسارح لندن وفرنسا، ما الذي يدعو الناس للانتظار أسابيع لمشاهدة مسرحية (رتشارد الثالث) أو (الملك لير) أو (تاجر البندقية) في هولندا وبلدان أخرى، هل هذه النصوص قبل تحويلها إلى عروض لم تكن للناس، أو أنها لا تتوافق مع طروحات (مسرح الناس) الذي يريدونه في العراق؟ عن أي مسرح نتحدث؟ وأي مسرح للناس نريد؟ المسرح منذ ولادته -ولحد الآن- لم يتغير في كينونته وخطابه الإنساني، هدفه الإنسان أولاً وأخيراً، فلم تكن دكتاتورية رتشارد الثالث الإنكليزي إلا نظيراً لدكتاتوريات أوربية وعربية مختلفة، وإن تنوعت أشكال ولغات تقديمها. والإنسان مادة الحرب الرئيسة وقربانها، هو ذات الإنسان في كل بقاع العالم. المسرح الحقيقي هو الذي يستفز مخيلة الجمهور ويقلق نومه ويمتعه بذات الوقت. علينا أن نكون محرضين للوعي والنهوض الاجتماعي، لأن المسرح أداة استفزازية للمخيلة وإثارة الأسئلة، وليست مهمة المسرح طرح الأجوبة. العرض المسرحي الحقيقي والمؤثر يصل إلى الناس بدون تنظيرات وطروحات استهلاكية. ما عليك إلا الذهاب الى أماكن تواجد الجمهور لتقدم لهم عرضك المسرحي.  

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج