هاشم تايه.. بين عتمة القنوط ولهو الألوان

فنون

هاشم تايه.. بين عتمة القنوط ولهو الألوان
100%
البصرة / صفاء ذياب تنطبق مقولة بول فاليري (الأسد هو مجموع خراف مهضومة) على الفنان البصري هاشم تايه، فهذا الفنّان، الذي ينقلب على نفسه مع كلِّ معرض جديد في سبيل تقديم شيء مختلف للمتلقّي، ومن ثمَّ تقديم فنّان جديد، سليل مجموعة من التجارب الحياتية التي أثّرت فيه. بعد معارض تشكيلية عدّة، أقام هاشم تايه معرضه الأخير (تسليات القانط) على قاعة جمعية الفنانين التشكيليين في مدينة البصرة، ليخرج لنا بوجه مغاير تماماً عن وجوهه السابقة. ويحقّق ما أراد عبر معارض تشكيلية عدّة، من أنَّ على المتلقّي فهم التحوّلات التي طرأت على جسده وفرشاته، من خلال سلسلة عمليات جراحية أنتجت لوحته الجديدة. تسليات القانط ربّما كان عنوان المعرض غريباً بعض الشيء، لكنّ هاشم تايه يؤكّد أنّه شقي من أجل عنونةٍ مناسبة لمجموعتيْ أعمال تباينتا في الخامات والمواد والتمثيل، وحرص على عرضهما معاً، وكان عليهما التعايش في فضاءٍ جامع باشتباك، وتفاعل، وجدَلٍ في عرضٍ غير مألوف يتنازعان، على مسرحه، الأداءَ، والتأثير، وخلق الاستجابات. مشيراً: "قبل أن أحمل مجموعتيْ هذه الأعمال إلى قاعتيْهما في بيت تشكيليي البصرة بوقت قصير، كان معي عنوانان؛ (تسليات الأعوام الحمقاء) وقد أضربتُ عن استعماله لنبرته التعرّضية المشحونة بالهجاء، ولاستطالته على سطح اللغة أيضاً. و(تسليات القانط) الذي وقعتُ في إغرائه بجمعه عنصريْن يبدوان على طرفي نقيض." تفاصيل المعرض المتابع لتجربة هاشم تايه، كفنان تشكيلي وكاتب أصدر مجموعات قصصية وشعرية، فضلًا عن كتاباتٍ في الفن التشكيلي، يخرج إلى كونه خليط تجربة ثرية، كان القنوط نتاجاً لها، لاسيّما وهو يرى أنَّ هذا ربّما سيكون معرضه الأخير بعد أن بلغ السابعة والسبعين من عمره؛ على حدِّ قوله، مؤكّداً أنَّه قانط بين قانطين لاهين، تتسع مساحة حياتهم بفرصةٍ أخيرة من الرسم في بلدٍ اقتصادُهُ ريعي، ورعاياه يعتاشون على موردٍ طبيعيّ وحيد، وثقافته العامة ما تزال تغرق في الماضي. قنوط باختبارات سبعة وسبعين زمناً لرسّامٍ عرضَ حياتَه على الرسم مبكّراً، لأنّه كان بلا لسان، ولم يكن أمامه وقد جفّ عوده إلّا أن يتسلّى، ويعبث، ليكون قانطاً بربطة عنق من الرسم. أداء تمثيلي في معرضه هذا، قسّم تايه فضاء العرض بين متنٍ وهامش. في متن المعرض تراصّت مجموعة الأعمال التي أُنجزتْ بألوان الإكرليك على القماش، وهي تنتمي بناءً وإنشاءً إلى صميم ما اختبره الفنّان على مدى ممارسته الرسم طليقاً من أيِّ تعليم مدرسي فاته في حياته، وصار علامةً على رؤية خاصة. ستة من أعمال هذه المجموعة كانت بحجوم كبيرة، وبمستوييْن من الأداء التمثيليّ الذي جمع بين الشكل التخطيطي الهيكلي المنجَز بمجرّد خطوط تُحيط بمفردةٍ تمثيلية ما، والشكل الكتلويّ بتجسّده التام لمفردة أخرى استقرّت إلى جوارها، توافقاً مع مزاج قانط لم يجد بدّاً من العمل بتقنيات الحذف، والإضمار، وتفريغ التكوينات من كُتلها، والتدفّؤ أخيراً بالكنايات. وفي الهامش، الذي استقلّ في جناحٍ آخر، تراصّت عشرة أعمال منجزة بمواد غير تقليدية متحرّرة من أيِّ تقليد فنيّ، في عروضٍ عفوية عابثة على سطوح ورقية عريضة. أعمال هذا المعرض؛ بمجموعتيْها، تعكس ردود أفعال فنية غير مباشرة على نمط حياةٍ عيشت خلال العقدين الأخيرين، واتّسمت بالتخبّط، والاضطراب، والتشوّه، والمراوحة في نقطةٍ من الثبات العقيم. بين التجريب والنقد يقول تايه: "أقمت معارض شخصية عديدة لأعمالي منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، وشاركت في العديد من المعارض الجماعية والمشتركة في بلدي، وخارجه. عُرِضت نماذج من أعمالي في الجناح الوطني العراقي الذي أشرفت على تنظيمه مؤسسة رؤيا للثقافة المعاصرة للمشاركة في بينالي فينيسيا بدورة عام 2013." ويضيف "شاركت في مهرجان العمارة والأنهار في مدينة بلوفديف البلغارية عام 2017. وكانت مشاركتي بخمسة مجسّمات نحتية عُرضت في مهرجان (بين ثقافتين) أواخر العام 2024 في عاصمة المملكة السعودية، هي آخر مشاركاتي في المعارض الجماعية. اقتُنيت بعض أعمالي من جهات عدّة داخل العراق وخارجه". تأملات نقدية وعن تجربته باستخدام المهمل أو النفايات في أعماله، يشير تايه إلى أنَّه مهتمّ بإدخال مادة الحياة في عمله الفنيّ لإنجاز أثرٍ جماليّ يتّسم بالغرابة، والألفة معاً؛ ولهذا ينتقي الخامات التي لها مساس بحياتنا اليومية، ويفضّلها على غيرها بغية إفراد تجربته عن تجارب أقرانه. ويتابع "أعمل مستقلّاً عن أيّ تعليم فنيّ، وأحرص على تكييف الموضوع الذي أعالجه، وجعله يتّخذ صورته النهائية طبقاً لاعتبارات جمالية بعيداً عن دلالاته المتحققة، وقريباً منها. أنا معنيّ، عموماً، بالتعبير عن هشاشة الوجود الإنسانيّ". وقد حاول أن يقدّم تأمّلاته هذه نقدياً من خلال كتابين صدرا له عام 2024، هما: (ترجمان البياض.. العمل الفنيّ تصورًا ومزاجًا)، و(الرسم والشعر.. مشتركات الحياة والفعل)، ليكون بذلك من الفنانين القلائل الذين طرحوا تجربتهم فنيًا ونقديًا في آنٍ واحد.

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج