أحمد الساعدي /
ينهض شاب من ركام التعب اليومي، يشعل في الفجر التنور لخبز عيش عائلته، ثم يطوي المسافة إلى قاعة تدريب تحرق عضلاته، مثلما تحرق النار يديه صباحًا، ليقف في نهاية المطاف على منصات التتويج، مزينًا صدره بالذهب، ورافعًا علم العراق عاليًا.
إنه حسين محمد، بطل العالم بالكِك بوكسنغ، الذي لم تمنعه حرارة الفرن، ولا تجاهل المسؤولين، من أن يصبح قصة عراقية يليق بها أن تُروى. رحلة العرق والذهب في فرن متواضع بمدينة الناصرية، يبدأ حسين يومه منذ طلوع الشمس، يحرك عجين الخبز بيد، ويحرك حلم البطولة في قلبه باليد الأخرى. يقول:"منذ طفولتي وأنا أعشق الفنون القتالية، بدأت من أندية الناصرية، وحققت المراكز الأولى في كل البطولات المحلية، وبينما أعمل في الفرن، كنت أركض بعدها مباشرة إلى التمرين، فالخبز مصدر رزقي الوحيد، والرياضة شغفي الدائم." وعلى الرغم من مشقة العمل وحرارة التنور، لم يثنه ذلك عن تحقيق المجد. فقد شارك في العديد من البطولات العربية والعالمية، وكانت ذروة انتصاراته حين نال الذهب في بطولة العرب، ثم عاد مؤخرًا بذهبية بطولة العالم التي أُقيمت في تايلند، متفوقًا على أبطال من 70 دولة، ليتأهل اليوم إلى بطولة عالمية مقبلة في تركيا. دعم غائب لكن خلف هذه القصة المضيئة، يكمن واقع مرير للرياضات الفردية في العراق. يقول حسين "الألعاب الفردية مظلومة، فميزانية الاتحاد لا تكفي، وبعض زملائي سافروا على نفقتهم الخاصة إلى البطولة الأخيرة، ورغم ذلك رفعوا علم العراق. رئيس الاتحاد اللواء قاسم الواسطي كان داعمًا، لكنه يواجه صعوبات في التمويل بسبب تأخر الدعم الحكومي." مناشدًا وزارة المالية واللجنة الأولمبية دعم هذه اللعبة، "فالرياضة ليست كرة قدم فقط، في رياضة الكِك بوكسنغ يوجد أبطال من ذهب." نداء للإنصاف عضو الاتحاد العراقي المركزي للكِك بوكسنغ، إياد الناصري، يكشف تفاصيل من كواليس الإنجاز فيقول: "البطل حسين محمد استدان ثمن تذكرة السفر ليشارك في بطولة تايلند، التي جمعت أكثر من 7373 مشتركًا من 70 دولة. لم يكن مجرد متسابق، بل ممثل لبلد بكامله. عاد بالذهب ولم يجد من يستقبله بما يليق. نطالب الدكتور عقيل مفتن، رئيس اللجنة الأولمبية الوطنية بتكريمه ورعايته، وكذلك نناشد ممثلية اللجنة الأولمبية في ذي قار لتبني مسيرته." صورة العراق الحقيقي مدرب المنتخب الوطني، مالك المحمداوي، وصف حسين محمد بعبارات تلخص حجم الإنجاز "إنه ليس مجرد بطل، بل قصة فخر مغلفة بوجع. وجه العراق الذي لا تراه الكاميرات. في كل ضربة وُجِّهت على الحلبة، كان يهزم اليأس، ويصفع التجاهل. لم يتعبه الفرن، ولم تضعف عزيمته حرارة النار. حسين يستحق أكثر من التهاني؛ يستحق تكريمًا واحتضانًا حقيقيين."