ريا الفلاحي /
في الأسواق الممتدة من المنصور والكرادة حتى الشورجة، تُعرض ماركات أميركية وصينية على رفوف واحدة. (سامسونغ) و(هواوي)، (نايكي) و(أديداس)، تتنافس بضراوة على جيب المستهلك العراقي، الذي غالباً ما يميل للأجنبي، بحثاً عن الجودة، أو لمجرد الرغبة في اقتناء اسم معروف. ولكن خلف هذه المعركة التجارية الكبرى، التي تشتدّ بين بكين وواشنطن، تبرز معركة أخرى في الظل: معركة البراند العراقي من أجل البقاء. أو الولادة. تقليد صيني حرب الرسوم الجمركية، والحظر التكنولوجي، والقيود المتبادلة بين أميركا والصين، لا تقتصر على مصالح الدولتين. تبعاتها تنعكس بوضوح في العراق، حيث تتقلّب الأسعار، وتتغيّر اتجاهات السوق بحسب المزاج الدولي. يقول التاجر البغدادي كريم الموسوي: "الزبون يسأل أولاً عن الماركة.. يريد اسماً معروفاً، حتى لو كان المنتج مقلداً أو منسوخاً." وما بين تقليد صيني وسعر أميركي، يتوارى المنتج العراقي خلف رفوف تُملأ ببضائع لا تشبهنا. صُنع في العراق وبالرغم من كل ذلك، بدأت علامات محلية بالظهور تدريجياً، لا على استحياء، بل بثقة ووعي بصري ورسالة واضحة. ليست هذه البراندات مجرد محاولات لصنع بديل، بل مبادرات تستند إلى هوية ثقافية وإرادة تجارية. (زقاق 13).. وهي ماركة ملابس عراقية متخصّصة في (التيشيرتات والبوديات)، تعكس بطابعها البصري جرأة الجيل الجديد وهو يعيد رسم تراثه. تصاميمها تمزج بين الكتابة باللهجة العراقية ورموز الثقافة الشعبية، وتُعرض بروح فنية تجذب الشباب الباحث عن (ستايل) محلي، أصلي، وغير مقلد. (هاجر غني).. مصممة مجوهرات عراقية حوّلت رموز بلادها – من طائر الخضيري إلى الأختام السومرية – إلى قطع ترتديها نساء العصر. مجوهراتها لا تقول فقط (أناقة)، بل (انتماء) و(رواية). (زيت بلادي).. منتج عراقي للزيوت النباتية والحيوانية، ينافس في السوق برغم الإغراق بالزيوت التركية والإيرانية. ما يميّز (زيت بلادي) ليست فقط الجودة، بل الخطاب البصري النظيف، والاعتماد على شبكة توزيع محلية بدأت تكسب ثقة البيوت العراقية. (ملك التمور).. علامة تعبّر عن تمر عراقي مغلّف بأسلوب معاصر ينافس التمور الخليجية، في حين يحافظ على الجذور الزراعية للعراق. (هيلي Hili).. مشروع لمستحضرات العناية بالبشرة، يعتمد على مواد طبيعية من البيئة العراقية. خط إنتاجه موجه لمن يبحث عن (منتج نظيف)، محلي، ومرتبط بجغرافيا الجمال في العراق. (علي القاموسي وArtouch آرت تاش).. أثاث عراقي الصنع، بجودة تصميم تنافس الإيطالي والتركي. علامة (آرت تاش) هي محاولة لإحياء الأثاث البغدادي بروح معاصرة، تجمع بين الحِرفة والهوية البصرية الحديثة. ماذا ينقصنا؟ تقول المصممة شهد الخزرجي، التي تقود مشروعاً بصرياً لمستحضرات تجميل: "منتجنا جيد، لكن الناس لا يثقون. نحتاج قصة، نحتاج هوية، ونحتاج تسويقاً." ويعيد الخبير الاقتصادي أحمد اللامي تشخيص الأمر: "براند عراقي قوي لا يحتاج فقط للجودة، بل لتحالف اقتصادي وثقافي يدعمه؛ من الحكومة، إلى الإعلام، إلى المستهلك." كيف ننهض بعلاماتنا؟ نحتاج إلى: حماية ذكية، وقوانين لا تُغلق الباب على الاستيراد، لكن تُعطي أولوية للمحلي في العطاءات والأسواق الكبرى. وكذلك منصات عرض مستمرة، وأسواق دائمة، أو معارض موسمية، تمنح البراند المحلي مساحة مرئية. إلى التثقيف الاستهلاكي.. أن نربّي ذوقاً عاماً يُقدّر (المنتج العراقي) كما يُقدّر (الماركة الأجنبية). وإلى تسويق رقمي احترافي.. البراندات المحلية الناجحة كلها تقريباً بدأت من (إنستغرام) لا من إعلان تلفزيوني. علينا أن نذهب حيث يذهب الجمهور. لسنا بحاجة لصناعة (براندات عملاقة) في يوم وليلة، بل لقصص تحمل نكهة العراق، وشخصيته، ولهجته. كل قطعة ملابس، كل زجاجة زيت، كل سوار نحاسي أو عبوة تمر، يمكن أن تكون سفيراً لنا.. إذا آمنّا بها. وفي زمن تنهار فيه الثقة بالاقتصاد العالمي، ربما يكون خلاصنا في بناء سوق محلّية.. لها ماركتها، صوتها، وشخصيتها.