100%
أحمد سعداوي
في يوم 16 حزيران / يونيو من كلّ عام، تحتفل مدينة دبلن، عاصمة جمهورية إيرلندا، بيوم بلومزداي (Bloomsday) وهو اليوم نفسه الذي تدور فيه أحداث رواية جيمس جويس، "يوليسيس" وبطلها ليوبولد بلوم.
الرواية الرائدة فيما سمّي بتيار الوعي في الرواية الحديثة، كانت حجر الأساس في الرواية الحداثية مطلع القرن العشرين، وأسهمت مع جهود الإنكليزية فيرجينيا وولف، والفرنسي مارسيل بروست، والأميركي وليام فوكنر، في تحديث الرواية وفتحها على احتمالات معرفية وجمالية واسعة.
يقوم أهالي دبلن في هذا اليوم بالاحتفاء بجيمس جويس وأدبه، الذي جعل هذه المدينة مسرحًا لأحداث كلّ أعماله الأدبية، على الرغم من أنه لم يكتب باللغة الإيرلندية، وإنما الإنجليزية.
إن روايته الصعبة والعسيرة في القراءة، بشهادة الكثير من الأدباء والنقّاد الإنجليز، تعيد إنتاج اليومي والعادي من الحياة الإيرلندية في إطار أسطوري خيالي، وما استدعاء ملحمة الأوديسا، إطارًا خارجيًا للقصّة، إلا محاولة لخلق أسطورة معاصرة، مادتها الحياة الحديثة.
شيء مشابه فعله أدباء كبار آخرون، منهم الأديب الألماني يوهان فولفانغ غوته (1749-1832)، الذي رفع الألمانية من مستوى اللغة المحكية إلى لغة وطنية ناصعة، وحّدت كلّ الأقاليم الألمانية قبل أن تتوحّد فعلًا بعدها بسنوات.
إن غوته التقط في أدبه قبساً من روح الأمة الألمانية في لحظة الحاضر، ومدّ أفقًا باتجاه المستقبل. وهو شيءٌ فعله أيضًا الشاعر اليوناني الكبير قسطنطين كافافي (1863-1933)، الذي عاش ومات في مدينة الإسكندرية المصريّة، ولكنّه أنجز متنًا أدبيًا أساسيًا في الشعر اليوناني الحديث، ويعد من أعمدة الشعر العالمي، وتحتفي به اليونان بأشكال مختلفة، فأطلقت اسمه على شوارع في أثينا وسالونيكي، وحوّلت منزله في الإسكندرية الى متحف ثقافي.
شكّل شعر كافافي جسراً بين اليونان المعاصرة وقاموس غني وواسع من الاستعارات والقصص الصغيرة عن يونان العصور القديمة، حين كانت ثقافتها مهيمنة على محيط البحر الأبيض المتوسط.
الأمثلة الأخرى كثيرة عن علاقة الأدباء حول العالم بروح أممهم وشعوبهم. وفي أدبنا العراقي الحديث أسماء عديدة لامعة مثّلت هذا الموقف من روح الأمة العراقية، ولعلّ السيّاب وغائب طعمة فرمان يقفان في مقدّمة هذه الأسماء، فهما كتبا أدبًا متقدمًا وحداثيًا، يتصل بالحياة الفعلية الدائرة في الواقع العراقي، يرتقيان به إلى مستوى تخيّلي فائق.
إن إنعاش روح الأمة العراقية يتطلّب الاحتفاء بالرموز الثقافية والإبداعية، وخلق مناسبات عنها، وإشاعة ثقافة التداول الشعبي العام لهذه الرموز التي تحمل في نتاجها أطيافًا من روح الأمّة العراقية.