في محاضراته عن الرصيد الحضاري والمثقف العضوي والعاصمة الروحية يوسف زيدان وأهمية السؤال الثقافي

"الشبكة العراقية" تصوير / خضير العتابي وكالات ثلاث جلسات أقامها الكاتب والروائي يوسف زيدان، بعد وصوله العراق مؤخراً، في بغداد والنجف، حلّ في الأولى ضيفاً على الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العراقيين، في جلسة ثقافية ألقى فيها محاضرة بعنوان (مفهوم الرصيد الحضاري وأثر الماضي في رسم ملامح المستقبل)، أدارها رئيس الاتحاد، الناقد علي الفواز، وحضرها حشد من المثقفين والإعلاميين في فندق المنصور ميليا. مناطق ملغومة في البدء تحدث (الفواز)، معرّفاً بالكاتب وإسهاماته في مجالات الفكر والرواية والمخطوطات، معرجاً على مشغله الأدبي، وإثارته الأسئلة، عاداً إياه "علامة فارقة في مشهدنا المعرفي والأكاديمي العربي، اقترب كثيراً من المناطق الملغومة والتابوات، واستفز المركزيات وأثار حولها عصفاً ذهنياً." (زيدان) ذكر في حديثه أن محاضرته تأتي في إطار ما تبناه منذ سنوات، من إعادة بناء المفاهيم الكلّية والتصورات الكبرى في ثقافتنا، مشيراً إلى أهمية قراءة التراث ورموزه، مثل العالم ابن الهيثم، الذي ولد في العراق وعاش فيه قبل انتقاله إلى مصر، مؤكداً على ضرورة قراءته قراءة معاصرة. قوة الحضارة أما عن آثارنا العراقية الموجودة في متاحف العالم وأهميتها في رصيدنا الحضاري، فقد تطرق (زيدان) إلى زيارته لبوابة عشتار في متحف برلين، معبراً عن دهشته لروعة ما شاهد من دقة الفن فيها، مؤكداً أن "هذا التأثير موجود حتى دون أن تشعر به، وهو القوة الخفية المساهمة في بقاء بلد مثل العراق بهذه القوة والحضور، بالرغم من كل ما مرّ به من حروب وحصارات وغزوات طوال مئات من السنوات." لافتاً إلى أن مصدر هذه القوة يعود إلى أثر الكتابة والتدوين، مبيّتاً أن "الدول التي دوّنت معرفتها، كمصر والعراق، غير قابلة للمحو، كما حدث مع أقوام أخرى، ومنهم سكان أميركا وأستراليا الأصليين، وذلك لأن هذه الأقوام اعتمدت على المحكي، لا المدوّن، في ثقافتهم، ولم تتواصل مع تراثها كما حدث في بلاد مابين النهرين ومصر، إضافة إلى ما تعرضوا إليه من إبادة من قبل ما وصفها بـ (الداعشية الأوربية) في ذلك الوقت." واختتم (زيدان) محاضرته بقصيدة للشاعر محمود درويش، وهو يرثي (المعلقات)، يقول في مقطع منها: "من أنا؟ هذا سؤال الآخرين ولا جواب له / أنا لغتي أنا / وأنا معلقة... معلقتان... عشر/ هذه لغتي/ أنا لغتي. أنا ما قالت الكلمات: كن / جسدي/ فكنت لنبرها جسداً / أنا ما قلت للكلمات: كوني ملتقي جسدي مع الأبدية الصحراء / كوني كي أكون كما أقول!" فتح بعدها باب النقاش مع الحاضرين، ما أثرى الجلسة فكرياً ومعرفياً. تأويل توراتي وتضمنت جلسته الثانية، في مركز الرافدين للحوار بمدينة النجف الأشرف، محاضرة بعنوان (العاصمة الروحية للشيعة الاثني عشرية) تحدث فيها عن مكانة المدينة وتأريخها. (زيدان) تطرق في محاضرته إلى الأعمال الوحشية التي تحدث في غزة ولبنان، إذ أشار إلى الإجرام الصهيوني الحالي واعتماده على التأويل التوراتي الإجرامي، موضحاً أن "الرصاصة التي تستهدف المواطنين في غزة هي ذاتها التي تستهدف المواطنين في جنوب لبنان." مبيّناً أن الشهيدين حسن نصر الله، والسنوار، بالنسبة لهم، يمثلان أمماً لا بد من محوها. في حين كانت جلسته الثالثة في مؤسسة بابل العالمية للثقافة والفنون، التي استضافته في ندوة بعنوان (مفهوم المثقف العضوي، وأثر الكاتب في المجتمع)، قدم لها رئيس المؤسسة الدكتور علي الشلاه، الذي تطرق في حديثه إلى أهمية هذا النشاط الثقافي، وتأثيره في المجتمعات التي يكون للمثقف فيها دور بارز في تسليط الضوء على مكامن الخلل التي تواجه أمته. (زيدان) تناول في محاضرته أهمية دور المثقفين في مجتمعاتهم، عاداً هذا الوصف (المثقف العضوي)، الذي نحته (غرامشي)، بالدقيق، وأن مشاركة النخب الثقافية في إثارة الأسئلة مهمة جداً لدوام تحريك الساكن في مجمل الاشتغال الفكري والمعرفي.