شاعر (عبديئيل) في أول شريط وثائقي موفق محمد غياب بعد غياب الرقيب

ثقافية

شاعر (عبديئيل) في أول شريط وثائقي موفق محمد غياب بعد غياب الرقيب
100%
أحمد الهاشم في نهاية خريف عام 2003 انطلقنا إلى مدينة الحلة لتصوير شريط وثائقي عن الشاعر موفق محمد. كان ذلك ضمن سلسلة وثائقية لفضائية (كوردسات) عن الأدباء والفنانين الذين لم ينخرطوا في جوقة التطبيل لنظام الاستبداد، أو "الذين لم يعيروا صوتهم للصمت". لم يكن العدد كبيراً، ومن بينهم موفق محمد. كانت البلاد قد فتحت صفحة من العنف بالمفخخات والعبوات الناسفة، ولكن بزخم أقل من السنوات التالية. لم تكن الطرق آمنة، ولكننا وصلنا.والتقينا بموفق محمد. أبرز ما تلحظه في شخصه أنه يملأ المكان برحابة إنسانية أينما حلّ. فيه بشاشة وبساطة تغمران من حوله برفيف مودة. ضيّق عليه كل رداء حزبي أو آيدولوجي. معارض بنقاء مشاكس. حاضر البديهة بأريحية، لا يختلق المسافات الفاصلة، بحكم العمر. صاحب ذائقة أدبية رفيعة. متابع لا يلجمه التراكم عن الاستزادة. ويستبشر بالجديد، جيلاً ومنجزاً. حين دخلنا الحلة، كان أول مشهد هو جدرانها التي امتلأت بشعارات تعكس سخرية أهل المدينة من نظام الاستبداد البعثي، وهي المدينة التي سميت بـ(عاصمة السخرية) والدعابة. ومن تلك الكتابات على الجدران: "راح الترندح راح، راحت البوزات، زيتوني والتلميع والرشوة كعدات." وبحوارها ألم نازف على جدار يقول: "المجد لمن أسرى فوق براق الرعب، معصوب العينين، كسيراً، من مجزرة الأمن إلى مثرمة الاستخبارات." ومثلها كثير. استمر التصوير ثلاثة أيام، مع الزميل المصور فاضل صدام العقابي. كان المبيت في النجف وليس في الحلة، فلا فندق فيها. "الحلة طرّادة (طاردة) زائرها." كما يقول المثل. ويوضح موفق: "القادم من بغداد ذاهب للنجف وكربلاء لزيارة المراقد المقدسة والقادم منهما ذاهب إلى بغداد، فما الداعي إلى الفندق؟!" المشاكس والرقيب "أنا بدأت شاعراً مشاكساً." هكذا استهل موفق محمد حديثه معنا. منذ نشر قصيدة (الكوميديا العراقية) في مجلة (الكلمة) في العام 1972. "كان عمري آنذاك 24 سنة وهي قصيدة أثارت ضجة كبيرة لما فيها من تحدٍ وجرأة.". واحتوت مجموعته الشعرية (عبديئيل)، التي ظلت أكثر من تسعة أشهر نائمةً عند الرقيب بسبب هذه القصيدة، التي أمر الرقيب بحذفها من المجموعة. وأرانا موفق محمد نسخة الرقيب التي احتوت ما لم يعجبه حتى عبارة "لم يحملوا إلا كتباً وقصائد ممنوعة!" كما حذف الرقيب قصيدة (النهر والمقصلة)، ومعها قصائد أخرى، "لعدم صلاحيتها". لكن المجموعة طُبعت في كوبنهاغن في العام 1999. المدينة: أمومة الملاذ الحلة كانت حاضنة أمومية للشاعر، قدّر أهلها شاعرهم حق قدره، فهو المتعفف عن عطايا السلطان التي كان يتكرم بها على شعراء المديح. وأكبروا فيه موقف المعارض في ظل نظام يحسب على الناس أنفاسهم، فما بالك بكلماتهم. موقف غير مؤدلج ينتمي إلى المسحوقين والمحرومين. كان يغلف نقده بسخريته اللاذعة، إذ كان يرى أن "السخرية هي الأرضة التي تنخر جسد المأساة." في الحلة تعرفنا على ملاذات الشاعر الآمنة: أصدقائه الذين أعانوه على تحمل مأساة فقدان الابن "الشهيد الذي ظل بلا شاهدة"، بعد انتفاضة 1991. إضافة إلى إعانته على ضنك العيش في زمن الحصار، إذ ترك مهنة التعليم واشتغل بائعاً للشاي في مطعم شقيقه كي يؤمن قوت يومه. فراتب المدرس حينها "لم يَرقَ للقيطان من سعر الحذاء"، كما يقول في إحدى قصائده. التقينا بعض أصدقائه، مثل السيد صلاح بهية، وعلي اللبان النداف، الذي كتب فيه قصيده (زائر الليل)، وغيرهم. بأسى، ذكر موفق محمد أن نظام البعث قد هدم، في أول عهده، أقدم محلة في الحلة (محلة الجامعين). سرنا في أزقة المدينة القديمة، حيث تلحظ في زواياها آثار أصالتها. "المدينة القديمة رحم"، كما كان يقول موفق. وكانت تزاحم حواراتنا تحيات أبناء المدينة لشاعرهم. كأنه يعرفهم واحداً واحداً. أحب موفق الحلة ونهرها و(سعديّها) الحلي. وبادلته المدينة المحبة ووضعت تمثالاً لشاعرها.. وهو حي.

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج