100%
أنور حيران محمد
في زحام الأزمات وضغوط الحياة، قد يشعر الإنسان أنه وصل إلى طريق مسدود، فيفكر في الانتحار كخيار أخير للهروب من الألم. لكنه في الحقيقة، ليس إعلانًا عن نهاية، بل قد يكون نداء استغاثة صامتًا، يحمل في طياته رسالة تقول: "أنقذوني، ما زلت أحتاج إلى الحياة."
تشكل ظاهرة الانتحار تحديًا عالميًا متناميًا، لا يميز بين عمر أو جنس أو طبقة اجتماعية، إذ تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 49 ألف شخص في الولايات المتحدة أقدموا على الانتحار عام 2023، من عمر 12 سنة فما فوق. أما في العراق، فقد اتخذت الأرقام منحى تصاعديًا منذ 2016، حين سُجلت 343 حالة، ليرتفع الرقم إلى 863 حالة في عام 2021، مع تسجيل 700 حالة في 2023، و300 حالة في النصف الأول من عام 2024 وحده. هذه الأرقام لا تُعد مؤشرات جامدة، بل تنذر بخطر داهم يُهدد المجتمع العراقي، ويتطلب تدخلاً وطنيًا شاملاً يُعالج الأسباب ويدعم الفئات الهشة قبل أن تتفاقم المأساة.
فقدان الشغف
من أبرز العلامات التحذيرية التي قد تشير إلى ميول انتحارية: تغيّرات ملحوظة في المزاج والسلوك، وفقدان الشغف بالأنشطة، والعزلة، والإدمان، والقلق، والاكتئاب، والتحدث عن الموت، أو فقدان الرغبة بالحياة. ويُعد الإدمان عاملًا رئيسًا في
60 % من حالات الانتحار، إذ يسعى بعضهم عبره إلى الهروب من الضغوط، ليقعوا في فخ مضاعف من الألم والمعاناة.
حين يشعر الشخص بأنه لم يعد يرى أفقًا للحياة، تصبح كلمتك، ووجودك، واستماعك له، أدوات إنقاذ حقيقية. لا تتجاهل الإشارات، بل تحدّث معه بلطف، وافتح له مساحة آمنة للتعبير عن ألمه، ورافقه في رحلة البحث عن العلاج والمساعدة النفسية. وتذكر دائمًا: الحديث عن الانتحار ليس تهديدًا، بل هو استغاثة صريحة تتطلب استجابة فورية.
دعم نفسي
الدعم النفسي ليس رفاهية، بل ضرورة حياتية. غيابه يترك الإنسان محاصرًا في أزماته، فريسة لليأس والأفكار السلبية. أما وجوده، فهو كفيل بتحويل مسار الحياة من الضياع إلى التوازن، ومن الانهيار إلى التعافي.
يجب أن نمنح الدعم النفسي لكل من حولنا، فالصحة النفسية لا تقل أهمية عن الجسدية، وهي جدار الحماية الأول أمام المحفزات المؤذية، وضمانة للاستقرار الأسري والاجتماعي.
التصدي لظاهرة الانتحار يتطلب ستراتيجية وطنية واضحة، تقوم على:
* تطوير برامج الصحة النفسية.
* رصد الحالات المعرضة للخطر وتوفير العلاج والتأهيل.
* تقديم الدعم العائلي والاجتماعي.
* تعزيز مهارات الحياة والتواصل.
* التصدي للإدمان بكل أشكاله.
* إطلاق برنامج وطني شامل للوقاية من الانتحار، بالتعاون بين وزارات الصحة والتربية والداخلية والمجتمع المدني.
النجاة بالأمل
كل الأديان السماوية تُجمع على تحريم الانتحار، لأنه قتل للروح التي كرّمها الله. ومهما كانت الحياة قاسية، فإن الأمل والصبر طريقان للنجاة. لا تجعل لحظة ضعف تُنهي فصول حكايتك، بل اجعل من هزيمة الانتحار نقطة انطلاق لحياة جديدة أكثر إشراقًا.
لا أحد فينا محصّن من الانكسار، لكننا جميعًا نملك قدرة النهوض.. فلنُمسك بأيدي بعضنا بعضًا، قبل أن يسقط أحدنا في الهاوية.