بدعم دولي.. (قبهان) تعود إلى الحياة

تحقيقات

بدعم دولي.. (قبهان) تعود إلى الحياة
100%
دهوك / كولر الداودي تحت سفح قلعة العمادية الشاهقة في محافظة دهوك، شمال العراق، تستريح أطلال (مدرسة قبهان) التاريخية، تلك التي أشرقت فيها شمس العلم منذ العصور الوسطى، وامتدت أنفاسها التنويرية حتى منتصف القرن العشرين. وبين جدرانها التي تنهض الآن من الركام، تنبعث أصوات التاريخ من جديد، معززة بعزم من منظمة اليونسكو وجهات دولية عدة على ترميم هذا الصرح العلمي الفريد. مع أن تاريخ المدرسة المعروف يعود إلى العصور الإسلامية الوسيطة، فإن التنقيبات الأثرية الأخيرة أماطت اللثام عن دلائل تشير إلى وجود بشري في الموقع ذاته منذ أواخر العصر البرونزي، ما يمنح المكان بعدًا تاريخيًا أعمق مما كان متوقعًا. محطات البناء الدكتور بيكس بريفكاني، مدير الآثار والتراث في دهوك، تحدث عن مسيرة المدرسة قائلاً إن "مدرسة قبهان مرت بمراحل معمارية وفكرية عدة منذ تأسيسها في القرن الثاني عشر، ففي مرحلتها الأولى ظهرت القاعة المقببة كأقدم عناصر البناء، تبعتها المرحلة الثانية في نهاية القرن الثاني عشر وبداية الثالث عشر، حين توسعت المدرسة بإضافة مبنى ثلاثي الأجنحة مشكِّلًا فناء داخليًا لا تزال معالمه ماثلة للعيان." وأضاف أن "المرحلة الثالثة، في العصور الوسطى، شهدت تشييد مطحنة في الجهة الشمالية الشرقية، وحمامًا مقببًا في الجنوب الشرقي، فيما جاءت المرحلة الرابعة في منتصف القرن التاسع عشر، تلتها الخامسة في أواخر العهد العثماني، أما المرحلة السادسة والأخيرة، فقد بدأت منذ سبعينيات القرن العشرين الماضي عندما أضيفت جدران جديدة حَجَبَت أقواس الفناء الأصلي." وأشار بريفكاني إلى أن "حملة ترميم سابقة بدأت عام 2012، وشملت تفكيكًا وإعادة بناء بعض الجدران الخارجية، إلا أن الترميم الكلي تأخر حتى هذا العام. والآن، باشرت مديرية التراث والآثار في دهوك بمشروع جديد لترميم جزء من المدرسة، بدعم من منظمة (إكسبريس) الفرنسية، ومنظمة (ألف)، بالتعاون مع الحكومة الفرنسية. ويُتوقع إنجاز المشروع خلال سنة واحدة". معلم سياحي فيما يؤكد الأديب خالد خليل أحمد من العمادية أن "مدرسة قبهان تأسست سنة 1534 على يد السلطان حسين الثاني، ودُرست فيها علوم الدين، ثم تطورت لاحقًا لتضم علومًا دنيوية، كالفلك والرياضيات وطب الأعشاب، حتى أصبحت مركزًا علميًا بارزًا يُقصد من قبل الطلبة من العراق وسوريا وإيران والدول العربية المجاورة." ويضيف: "كانت مدرسة قبهان بمثابة جامعة مصغّرة، لها علاقات قوية مع جامعة الأزهر، وخرّجت علماء كبارًا، أبرزهم أبو السعود العمادي، الذي أصبح مفتي الدولة العثمانية في عهد السلطان سليمان القانوني.". مشيرًا إلى أن "مدرسي المدرسة كانوا من أبناء المنطقة، ويتقنون اللغات العربية والفارسية والكردية.. وتابع: "بعد الستينيات، تضررت المدرسة بسبب الحروب، وأُهملت تدريجيًا، حتى تحوّلت إلى هياكل حجرية، بينما نُقلت مخطوطاتها الأصلية إلى متحف بغداد. واليوم، تتجه الأنظار مجددًا نحو ترميمها ضمن مشروع يشمل أيضًا مقبرة السلطان حسين، وصهريج المعبد الزرادشتي، وأسوار القلعة التاريخية." شراكة علمية من جانبه، يوضح الكاتب والصحفي شريف محمد خالد، مسؤول المركز الثقافي في العمادية، أن "السلطان حسين ولي كان راعيًا للعلم والعمران، وأطلق على المدرسة اسم قبهان، إما تيمنًا بمسجد قُبَاء في المدينة المنورة، أو لكثرة القباب التي تزين سطحها، وهو الرأي المرجح بحسب المؤرخين المحليين". ويؤكد أن "مدرسة قبهان لم تكن مجرد مبنى تعليمي، بل كانت المؤسسة العلمية الوحيدة في المنطقة قبل ظهور المدارس الحكومية، حيث دُرّس فيها 12 علمًا متنوعًا شملت التجويد، واللغة العربية، والفارسية، والكردية، والطب، والفلك، والرياضيات. وكانت الشهادة الممنوحة من قبهان معترفًا بها من قبل جامعة الأزهر في مصر، بل إن الفقهاء والأساتذة كانوا يتبادلون المهام والتدريس بين المؤسستين." ويضيف أن "طلاب المدرسة كانوا يتوزعون على حجرات خاصة؛ واحدة للأساتذة، وأخرى للطلاب، وثالثة للعاملين، فيما اعتمدت المدرسة في تمويلها على الزراعة، إذ كانت تحيط بها أراضٍ تُزرع بالأرز وغيره من المحاصيل التي تكفي لتغطية نفقاتها." وكان أهل العمادية من الميسورين يتكفل بعضهم بنفقات خمسة طلاب، فيقدمون لهم الطعام والشراب والملابس، في تقليد اجتماعي يعكس مكانة العلم والتكافل في تلك المرحلة. واستمر التعليم فيها حتى بداية الستينيات، قبل أن يُبنى غيرها وتُهمل، تاركة وراءها إرثًا كبيرًا بحاجة ماسة إلى الإحياء.

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج