100%
أربيل/ خالد إبراهيم
من أبرز الفنون التراثية التي تعكس تاريخ وثقافة الكرد في أربيل، السجاد اليدوي، الذي يجمع بين الإبداع الحرفي والدقة والجمال في تصنيعه. وبرغم التطور الصناعي والحداثة، لا يزال هذا الفن مزدهرًا، إذ يُنتَج بأيدي حرفيين مهرة يستخدمون تقنيات تقليدية تعود إلى مئات السنين، ما يجعل كل قطعة تروي قصة تراثية مختلفة.
حرفة متجذرة
روند جمال، أحد تجار السجاد اليدوي، تحدث عن هذه الصنعة قائلاً: "يصنع السجاد محليًا في مدن إقليم كردستان، وخاصة في منطقة هورمان، التي تُعرف بجودة سجادها العالية." مشيراً إلى اختلاف السجاد المحلي عن المستورد، مثل الإيراني والتركي، إذ تُستخدم في صناعته مواد محلية فاخرة، منها خيوط تُعرف باللغة الكردية بـ (أوریشم)، وهي شبيهة بالحرير، إضافة إلى الصوف المحلي الذي يتميز بجودته العالية وتنوع ألوانه وأحجامه."، يضيف جمال: "أغلب السجاد المعروض هنا هو من الصناعة اليدوية المحلية، التي تلقى إقبالًا كبيرًا من السياح الأجانب، وكذلك من زوار المدن العراقية الأخرى، فالعمل اليدوي يحمل قيمة فنية تراثية، إذ يبذل الحرفيون جهدًا كبيرًا في كل قطعة، ما يجعلها تحفة فريدة من نوعها، كما أن زخارف السجاد اليدوي تحاكي التراث الكردي الأصيل، وتعكس هويتنا الثقافية."
يتابع جمال: "إلى جانب السجاد التقليدي، نقوم بتنفيذ طلبات خاصة للزبائن، مثل حياكة صور شخصية أو صور لشخصيات تاريخية وسياسية، من قبل حرفيين متخصصين، مع الحفاظ على اللمسة الكردية في التصميم، نعتمد فيها الزخارف والنقوش التراثية المحلية بدلًا من التصاميم العالمية."
موضحاً أن السنوات الأخيرة شهدت اقبالًا كبيرًا على السجاد المحلي، لجودته العالية وطول عمره الافتراضي، إلى جانب لمساته الفنية التي تضاهي السجاد العالمي مقارنةً بالسجاد المستورد.
موروث ثقافي
"إنه ليس مجرد قطعة ديكور، بل رمز لتراثنا العريق وهويتنا الثقافية." هكذا بدأ فرمان حمد حديثه عن السجاد اليدوي، وهو أحد محبيه، مضيفاً: "هو إرث قديم توارثناه عن أجدادنا، كان ولا يزال يُستخدم في القرى الكردية، السيّاح، سواء الأجانب أو المحليون، الذين يزورون أربيل من بقية المحافظات، يحرصون على زيارة سوق السجاد اليدوي القريب من قلعة أربيل التاريخية، حيث تعرض المحال التجارية أجمل القطع المصنوعة يدويًا، بعض منها تقليد للسجاد القديم، لكنه يحمل لمسة إبداعية حديثة."
حمد أوضح أن السجاد اليدوي يأتي بأنواع مختلفة، لكن الأصالة الحقيقية تكمن في السجاد المصنوع في أربيل، إلى جانب إنتاج بعض القرى الكردية الأخرى مثل سوران، وخليفان، وغيرها من القرى، كونه يزداد جمالًا مع مرور الزمن، حين تصبح ألوانه أكثر عمقًا، وزخارفه أكثر وضوحًا.
ويردف حمد: "النظر إلى هذا السجاد يمنح إحساسًا بالراحة والجمال، إذ إنه يحمل تفاصيل فنية مدهشة، وجاذبية أكبر من السجاد المصنوع آليًا." مبيّنًا أن أسعار السجاد اليدوي الأصلي مرتفعة نسبيًا مقارنة بالسجاد المصنوع في المصانع، إذ يصل سعر بعض القطع إلى ثلاثة ملايين دينار عراقي أو أكثر، حسب عمر السجادة، ودقة حياكتها، ونوعية النقوش المستخدمة.
نساء ماهرات
في حين قال حمد عبد الله، أحد هواة جمع السجاد اليدوي: "قبل أكثر من خمسين عامًا، كان السجاد اليدوي منتشرًا في أغلب بيوت أربيل، ومصنّع يدويًا في القرى النائية بأيدي نساء كرديات ماهرات آنذاك، حيث لم يكن هناك سجاد مستورد بعد، لكن مع دخول السجاد الصناعي المستورد، بدأ الإقبال على المنتجات الآلية، رغم أنها لا تمتلك الجمال والأصالة التي يتمتع بها السجاد اليدوي." موضحًا أن الزائرين لسوق السجاد، لا يفوتون فرصة التقاط صور تذكارية فيه، حتى وإن لم يشتروا قطعة سجاد واحدة، حيث يُعد هذا المكان شاهدًا حيًا على فن وإبداع يمتد لعقود طوال.
السجاد اليدوي في أربيل أكثر من مجرد صناعة، بل إنه تجسيد لتاريخ المنطقة، ومهارة الحرفيين المحليين.