100%
سعد محسن خليل
تصوير / حسين طالب
الكتابة عن الملوك والرؤساء والشخصيات السياسية والاجتماعية مسألة جد خطيرة، بل مثيرة للجدل والخلاف في عالم اليوم، قد تصل بالراوي لها إلى أن يدفع ثمنًا يصل إلى حدود شخصيته، وقد تكون الكتابة حكايات حقيقية أو من نسج الخيال.
هناك حكايات جرى نقلها من أناس عاشوا تلك الفترة، وقد تكون هذه الحكايات معرّضة للكذب والتلفيق في ضوء التراكمات التي يحملها الراوي، سواء كانت هذه التراكمات سلبية أو إيجابية عن الشخص الذي في النية الكتابة عنه.
وتبقى هذه الحكايات في كل الأحوال حكايات بعيدة عن السياسة.. حكايات طريفة تُشبع نهم القارئ الذي ملّ السياسة، للتعرف على المشاعر الشخصية لشخصيات كان لها التأثير في الجماهير، خاصة أن المواطن بات أكثر حاجة للعودة إلى روح النوادر والطرائف التي تعودنا سماعها في مجالسنا، من أجل أن نخفف من قساوة واقع الحياة الاجتماعية التي نعيشها حاليًا، والتعرف على كوامن الشخصية القيادية التي سادت المنطقة عمومًا والعراق خصوصًا.
ومن الطرائف التي وقعت خلال تولي توفيق السويدي رئاسة الوزراء في عهد النظام الملكي، يُقال إن خصومة وقعت بين السويدي والشاعر الكبير معروف الرصافي، وقد عمد أحد أصدقاء الطرفين إلى مصالحتهما، فأقام مأدبة أو وليمة كبيرة دعا فيها الطرفين إليها، كما دعا كبار الشخصيات البغدادية.
وفي أثناء الجلسة وتبادل الأحاديث الودية، قال أحد المدعوين مخاطبًا السويدي عن قصد: "معالي الباشا، شلون حال الدنيا وياك؟" فرد عليه السويدي غامزًا: "الدنيا مو خوش دنيا… بس المهم الواحد يسوي معروف ويشمره بالشط"، ونطق مفردة "معروف" بصوت عالٍ وهو ينظر إلى الشاعر الرصافي بحيث سمعها، فأدرك الرصافي أنه المعني بهذا الكلام، وأن السويدي يستفزه قاصدًا.. فبلعها الرصافي وسكت، وأجبر نفسه على عدم الرد لأنه في وليمة صلح.
ولكن فجأة التفت الشخص نفسه ووجه السؤال ذاته إلى الشاعر الرصافي قائلًا: "أفندينا، أنت شلون حال الدنيا وياك؟" فما كان من الرصافي إلا أن يقتنص الفرصة، فعدّل سدارته وأجاب باسترخاء: "عمي، الدنيا خوش دنيا… بس توفيقنا طايح حظه!" في إشارة إلى توفيق السويدي، الذي بادره بابتسامة تخفي معاني كثيرة…
بهذه الروحية كان يتعامل المسؤول مع الرعية، بروح من الشفافية والصدق والمحبة، بعيدًا عن التشنجات غير المبررة… حياة تسكنها واحة من العطر في ذلك العهد، التي تحكي جانبًا من البساطة وعدم التكبر والغلو… حياة تعكس الطيبة دون توابل أو تملق، بعد أن ضاعت الموضوعية في طلاسم الأقلام المتباينة في عالم مملوء ظلامية وتشويهًا للحقائق…
هذه الحادثة تعيد لأذهاننا كيف كان يتعامل الرئيس مع المرؤوس، وما أحوجنا اليوم إلى جمعها لتكون دروسًا للحكام في كيفية التعامل مع المجتمع والمحيط بهم بعفوية وإنسانية، للمحافظة عليها من الاندثار، ولتكون برنامج عمل لعودة الروح للمجتمع.