100%
نرمين المفتي
فور انتهاء فيلم (أناشيد آدم)، نعرف لماذا أهدى مخرجه وكاتبه (عدي رشيد) فيلمه المدهش إلى ذكرى المخرج الإيراني، رائد الواقعية السحرية في السينما الإيرانية (عباس كيارستمي)، إذ أكد رشيد في الندوة التي أعقبت عرض الفيلم، أنه كان محظوظاً، إذ تدرب على يديه لفترة.
يهدينا رشيد، الذي يستحق منذ أول أفلامه، أن يكون رائداً للواقعية السحرية في السينما العراقية، فيلماً مدهشاً بكل تفاصيله.
آدم، الفتى الذي حضر غسل جده المتوفى، وأخافه وجهه الجامد، ليقرر ألا يكبر، ويعرف كيف يسيطر على نبضات قلبه وإبطائها كي يستمر في عمره (12 سنة). وكان التاريخ الذي يشير إليه الفيلم عام (1946)، وتتوالى التواريخ (1952، 1964، 1981 و2014)، وكل الذين حول آدم، خاصة شقيقه الأصغر علي، وابنة عمّه إيمان، التي أحبها، وصديقه أنكي، يكبرون وتمر بهم المآسي التي شهدها العراق، وهو، أي آدم، جمّد زمنه، ليستمر صبياً، ويتعامل بنفس دور الشقيق الأكبر لعلي، الذي يكبر ويصبح ضابطاً تتعبه الحروب، وينصرف إلى خيام الغجر. بينما تتعب الظروف إيمان، لتظهر في مشهد مدهش وهي مجنونة، وتطلب مقابلة آدم الذي سبق وطلبت منه عدم زيارتها في المزرعة التي تعيش فيها مع أهل زوجها لأنه، وإن كان بعمر ابنها، إلا أنه يكبرها بسنتين، ربما نجد هنا نقصاً في الفيلم بالكاد يلمسه المتلقي، وهو السبب الذي أصاب إيمان بالجنون.
آدم الذي أقنع رجل دين في قريتهم والده بأن جنياً قد مسه، ليسجنه في اسطبل قديم، وتترك أمه البيت حزناً عليه، ولن يراها مرة أخرى، يعرض الفيلم من، خلال الإشارة، السنوات والظروف أو الكوارث التي شهدها العراق، لتشرح الجملة المكتوبة التي يبدأ الفيلم بها (كان يا مكان في بلاد الرافدين)، ويصر (رشيد) على رمزية الفيلم من خلال موقع التصوير في هيت، حيث الخضرة والنهر الذي تحاصره الصحراء.
نلمس في (أناشيد آدم) من خلال مواقع التصوير والمشاهد والحوار، وحتى أسماء بعض الشخصيات، (أنكي) صديق آدم الذي يعمل لدى والده، و(سيدوري) الغجرية، (جلجامش) الذي بحث عن الخلود، ليصبح هذا الخلود في العراق. (أناشيد آدم) ليس فيلم تسلية، بل دعوةٌ للتأمل. إنه للذين يبحثون عن سينما تُحرّك المشاعر والأفكار معاً. إذا كنتَ من محبي الأفلام التي تبقى في الذاكرة كقصيدةٍ غامضة، فهذا الفيلم -التخيلي- قد يكون تجربتك المُنتظرة! وتحية إلى طاقم الفيلم كله، وتحية خاصة إلى الصبي (عزام أحمد-١٤ سنة) الذي أدى دور (آدم)، وهو اول أدواره، التي أتقنها بجدارة ونجاح، وأسهمت تعابير وجهه ونظرات عينيه في نجاحه، وهو مشروع نجم حقيقي.