ريا محمود /
في قلب بغداد، حيث يلتقي عبق التاريخ بنبض الحاضر، تبرز شابة عراقية تُدعى قمر العاني كرمز للتفاني والإبداع. جمعت قمر بين شغفها بالموسيقى التقليدية ودراستها الأكاديمية في مجال الهندسة الطبية الحياتية، ما جعلها مثالًا حيًا للتوازن بين الفن والعلم. شغف الموسيقى بدأت قمر رحلتها مع الموسيقى في سن مبكرة، حين التحقت بمدرسة الموسيقى والباليه في بغداد. هناك، اكتشفت شغفها بآلة السنطور، وهي آلة وترية تقليدية تُعتبر جزءًا أساسيًا من التراث الموسيقي العراقي. بفضل موهبتها وتفانيها، حصلت على دبلوم في الموسيقى، ما مهد الطريق أمامها لتصبح واحدة من أبرز عازفات السنطور في العراق. تُعد آلة السنطور من أقدم الآلات الموسيقية في المنطقة، إذ يعود تاريخها إلى الحضارات البابلية. تتميز بصوتها الرنان الذي يضفي طابعًا خاصًا على الموسيقى العراقية التقليدية. تسعى قمر من خلال عزفها المميز إلى إحياء هذا التراث الموسيقي وتعريف الأجيال الجديدة به. علم وفن إضافة إلى مسيرتها الموسيقية، أتمت قمر دراستها في الجامعة التكنولوجية في بغداد، حيث تخصصت في الهندسة الطبية الحياتية. هذا التخصص الذي يجمع بين الهندسة والطب يُظهر تنوع اهتماماتها وقدرتها على التوفيق بين مجالات تبدو متباعدة. في حديث لها، أشارت قمر إلى أن الموسيقى والهندسة يتشابهان في نواحٍ عدة، إذ يتطلب كلا المجالين دقة وإبداعًا. مشاركات دولية لم تقتصر مسيرة قمر على العزف الفردي، بل إنها انضمت إلى فرق موسيقية عدة، منها فرقة التراث الموسيقي العراقي الوطني، وفرقة سومريات، التي تُعتبر أول فرقة موسيقية نسائية في العراق. من خلال هذه الفرق، شاركت في العديد من الحفلات والمهرجانات داخل العراق وخارجه، مسلطة الضوء على الغنى الثقافي والموسيقي لبلاد الرافدين. تراث ثقافي بالرغم من التحديات التي تواجهها المرأة في المجال الموسيقي في العراق، تواصل قمر مسيرتها بثبات، لتعبر عن أملها في أن تسهم في تغيير النظرة المجتمعية تجاه المرأة الموسيقية، وتطمح إلى تأسيس مدرسة موسيقية تُعنى بتعليم الآلات التقليدية للأجيال القادمة، لضمان استمرارية هذا التراث الثقافي. لم تكتفِ قمر بالعزف وإحياء الموروث الموسيقي، بل وجدت في الموسيقى وسيلةً للتخفيف من التوتر والقلق، خاصةً بعد الأزمات التي تركت أثرًا نفسيًا على العديد من النساء في العراق. ومن هنا، جاءت فكرتها بإقامة حلقات نسوية مغلقة، تُعقد في أجواء هادئة، حيث تستخدم الموسيقى وسيلةً لمساعدة النساء على التعبير عن مشاعرهن وتفريغ الشحنات العصبية التي تتراكم بسبب الضغوط الحياتية. علاج نفسي تُرافق قمر في هذه الحلقات معالجة نفسية متخصصة، بحيث تعتمد الجلسات على دمج الموسيقى مع أساليب العلاج النفسي الحديث، ما يساعد المشاركات على إعادة التواصل مع مشاعرهن وتخفيف التوتر العاطفي والعصبي. تشير قمر لتجربتها هذه بقولها: "أدركت أن الموسيقى ليست فقط وسيلة ترفيه، بل يمكن أن تكون مساحة آمنة للبوح والمواساة. عندما أعزف، أشعر أنني أساعد في تحويل المشاعر المكبوتة إلى نغمات، وهذا بحد ذاته نوع من الشفاء." رسالة ملهمة تُعد قصة قمر العاني مثالًا يُحتذى به للشباب العراقي، إذ إنها، من خلال مثابرتها وشغفها، تثبت أن التوفيق بين التخصصات العلمية والفنية ممكن، وأن الحفاظ على التراث الثقافي يمكن أن يسير جنبًا إلى جنب مع التقدم الأكاديمي والمهني.