100%
عبد الله الميالي
صدر كتاب (عناصر التفاوض بين علي وروجر فيشر) للسياسي الفلسطيني د. صائب عريقات في عام 2014، بإشراف (جامعة النجاح الوطنية) الفلسطينية، يقع الكتاب في (240) صفحة، ويتألف من ثلاثة فصول.
يبحث الفصل الأول في عناصر التفاوض السبع في المدارس الغربية والاثني عشر عند الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ويجد الباحث أن هناك سبعة عناصر مشتركة بينهما وهي: (المصالح، والخيارات، والشرعية، والعلاقة، والاتصال، والالتزام، والبدائل)، فيما انفرد الإمام علي بخمسة عناصر تفاوضية أخرى، وهي: (العلم والمعرفة، والقيادة والمسؤولية، والمتغيرات، والصبر والثبات، والعدل).
أما في الفصل الثاني تناول فيه الباحث بعمق وتفصيل عناصر المفاوضات عند الإمام علي، من خلال بحثه في ثلاث مسائل مهمة: (المسائل الخلافية في خلافة الإمام علي، تحديد عناصر المفاوضات عند الإمام علي، بيان عناصر المفاوضات الخمسة التي أضافها الإمام علي).
في حين تناول الفصل الثالث المحطات الرئيسة عند الإمام علي وعناصره التفاوضية الاثني عشر، فيتعمق الباحث في تجربة الإمام علي من خلال ما قام به من إجراءات أثناء توليه الخلافة وأهمها: (القصاص من قتلة الخليفة عثمان بن عفان، وعزل الولاة، ومفاوضات الرسائل، وعناصر الإمام علي في عزل معاوية، وإدارة الفتنة، والمفاوضات مع معاوية).
منهج علمي
كتب مقدمة الكتاب الدكتور حسن إبراهيم المهندي، مدير المعهد الدبلوماسي في وزارة الخارجية القطرية، وجاء في تلك المقدمة: "لقد وُفق الدكتور صائب عريقات في مقاربة هذا الموضوع بالبحث والتحليل، ملتزماً بمنهج علمي يقوم على أسس العلم والعدل، وبذلك قدّم خدمةً ذات فائدة كبيرة لموضوع التفاوض، وللكوادر الدبلوماسية العربية، والدارسين، ومحبي المعرفة في موضوع المفاوضات كعلم." ص14.
نال الكتاب اهتماماً كبيراً في الأوساط الأكاديمية العربية، باعتباره قراءة جديدة في فكر الإمام علي، الذي يعد أحد الشخصيات التاريخية المتميزة، ومن ثَمّ فهو قراءة جديدة في الفكر العربي والإسلامي. من خلال تلك المقارنة التي عقدها الباحث بين عناصر المفاوضات عند الإمام علي (عليه السلام) في التفاوض أثناء خلافته، وبين الخبير الأميركي في مجال التفاوض وإدارة الأزمات (روجر فيشر)، الذي يمثل النظرية الغربية المعاصرة بصورة عامة، وجامعة هارفرد الأميركية خاصة.
جسر التواصل
ولم يخف الكاتب إعجابه الشديد وشغفه الكبير بشخصية الإمام علي، مستشهداً بعددٍ من الأحاديث النبوية الشريفة التي كشفت منزلة الإمام علي بين الصحابة، وبلغ من إعجابه قوله: "فلو كتبنا كتاباً في كل دقيقة من ساعات وأيام وأشهر وسنين الزمن، لما أوفينا إمامنا وسيدنا وأميرنا علياً (رضي الله عنه) حقه." ص17.
وقد وجد الباحث في شخصية الإمام علي، بما تحمله هذه الشخصية من عبق التاريخ المضمّخ بأريج الشهادة، خير معين في استلهام مادة البحث، إذ يقول: "لقد لجأتُ إليه وإلى أقواله وخطاباته ورسائله في كل يوم من أيام المفاوضات على اختلاف أنواعها وتعددها.. كان معي في كل خطوة من خطواتي وكل لحظة من لحظاتي، كان يقف ما بين عقلي ولساني، كان جسري في التواصل والتفاوض، وفي الأخذ والعطاء. وعلى الرغم من كل الضعف العربي والانحطاط وعدم استخدام لغة المصالح والاحتلال والحروب الداخلية والانقسامات والانقلابات والانشقاقات. كان أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، معي، كان قوتي وعزّتي وعلمي وفخري وصبري ونضالي ومقاومتي واستمراري وبقائي والهادي والممسك بيدي حتى القدس الشريف." ص22.
عبقرية القول
ويستنتج الباحث، من خلال مطالعته الواسعة في كتب التاريخ والسيرة، دور الإمام علي وإسهامه في الكثير من المجالات العلمية والفكرية والاجتماعية، يلخصها بقوله: "الذي يقرأ تاريخ الطبري، أو نهج البلاغة للشريف الرضي، أو ما كتبه الشيخ محمد عبده، أو عباس محمود العقاد، ومئات الدراسات والأبحاث التي كتبت عن سيدنا الإمام علي بن أبي طالب، يعرف تمام المعرفة أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، صاحب حكمة ومعرفة وسداد رأي وعبقرية قول، رجل اقتصاد وسياسة، جمع ما بين حاجات الدنيا ومتطلبات الاَخرة، وحدد ركائز وأسس علوم مختلفة منها: النفس، الاقتصاد والسياسة، واتخاذ القرار وإدارة الأزمات والمفاوضات، وأرسى أسس ومبادئ السيادة قبل أن يحددها (جان بودان) في كتابه (الجمهورية) بألف عام.. لقد أسس أمير المؤمنين، سيدنا علي، نظرية الحق والدولة، قبل (توماس هوبز) وكتابه (ليفيثان) بمئات السنين." ص16.
ويحدد الكاتب في ختام مبحثه أوّلوية الإمام علي وأسبقيته في الكثير من النظريات والأطروحات الغربية: "كان سيدنا علي قد أدرك مفهوم السيادة التي حددها الشرع قبل توماس مور، وميكافيللي، وبودان، وهوبز لوك، وروسو، وفولتير، ومونتيسكيو، وأنجلز، وروجر فيشر. كان سيدنا علي قد فهم مفاهيم الواقعية السياسية، والعقد الاجتماعي، والسيادة، والحريات الفردية والجماعية، والعدل بناءً على فهمه للإسلام." ص235.
إن أهمية هذا الكتاب (برأينا المتواضع) تتركز بكونه يكشف لنا عِلماً جديداً وخزيناً فكرياً ثرّاً للإمام علي (عليه السلام)، لم يُكشف عنه النقاب من قبل، رغم انتشاره في كتب السيرة والتاريخ، ألا وهو (عِلم التفاوض) الذي أولاه الباحث دراسة مستفيضة ومعمقة. ولا نبالغ إن قلنا إن هذا الكتاب بهذا المضمون، وهذا التحليل المتسلسل الشيّق، وهذه المقاربة بين الفكر العربي/ الإسلامي وما يقابله في الفكر الغربي، لهو إضافة مهمة جداً في ميدان الفكر العربي/ الإسلامي، وهو استكشاف فريد للخزين الفكري والعلمي للإمام علي، كما هو جهد استثنائي للباحث د. صائب عريقات يستحق عليه التقدير والاحترام.
ملحوظة أولى: صائب عريقات (1955 – 2020) سياسي ووزير وبرلماني وأكاديمي فلسطيني معروف، يعدُّ من أركان السلطة الفلسطينية طيلة ثلاثة عقود، وهو يحمل الجنسية الأميركية أيضاً، حصل على الدكتوراه في دراسات السلام من جامعة برادفورد البريطانية. عمل رئيساً للوفد الفلسطيني المفاوض مقابل المفاوض (الإسرائيلي)، خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي. ملوحظة ثانية: روجر فيشر: خبير أميركي متخصص في مجال التفاوض وإدارة النزاعات، أستاذ القانون في كلية الحقوق في جامعة هارفرد الأميركية، وُلد في عام 1922 وتوفي في عام 2012، له نشاط قانوني ودبلوماسي دولي متميّز.