همسة وائل /
في خطوة جريئة، تعكس تطلعات محافظة النجف الأشرف لإحداث نقلة نوعية في قطاع السياحة، تسعى الحكومة المحلية لإنجاز مشروع ستراتيجي ضخم لتحويل بحر النجف إلى منتجع سياحي متكامل، ما يفتح آفاقًا جديدة أمام الاستثمار والتنمية في المدينة التي تُعد من أهم الحواضر الدينية في العراق والعالم الإسلامي. حياة نابضة لطالما ارتبط اسم بحر النجف بمشهد رملي واسع غربي المدينة، يختزن في ذاكرته تاريخًا طبيعيًا وجغرافيًا ظل مهمشًا لعقود. اليوم، يعود هذا البحر إلى الواجهة، لكن هذه المرة، كمشروع طموح، لتحويله إلى نقطة جذب سياحي تدمج بين الطبيعة والترفيه، مع الحفاظ على الطابع البيئي والتراثي للمنطقة. خطط مدروسة موخرًا، أعلن مدير الموارد المائية في محافظة النجف الأشرف، شاكر فايز العطوي، عن استكمال التصاميم النهائية لهذا المشروع، الذي يُعد جزءًا من مشروع كفل - شنافية الإروائي. وأوضح أن المشروع يهدف إلى تحويل البحيرة إلى منتجع سياحي ومتنفس طبيعي للعائلات، مع حماية البساتين المحيطة من آثار ارتفاع مناسيب المياه. كما أشار العطوي إلى أن المشروع سوف يسهم في تعزيز جمالية المنطقة وتهيئة بيئة طبيعية ملائمة لتكاثر الأسماك واستقطاب الطيور المهاجرة، بالإضافة إلى تطوير استثمارات سياحية مستوحاة من تجارب عالمية، مثل بحر قزوين ونهر النيل. ومن المقرر أن يبدأ تنفيذ المشروع خلال هذا العام 2025، عبر هيئة الاستصلاح، حيث ستُعد السدود من المراحل الأولية للمشروع. المشروع يأتي لإحياء بحر النجف والدور الأثرية في المدينة القديمة، ما يعكس اهتمام الحكومة المحلية بتطوير الواقع السياحي والتراثي للمنطقة. سياحة واعدة تحويل بحر النجف إلى منتجع سياحي ليس مجرد مشروع عمراني، بل هو رافعة اقتصادية محتملة للمدينة وللعراق ككل. من الناحية الاقتصادية، يُتوقع أن يسهم المشروع في تنشيط الحركة التجارية من خلال خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، سواء في قطاع البناء والتطوير، أو لاحقاً في قطاعات الضيافة، والخدمات، والمواصلات، والمشروعات الصغيرة المرتبطة بالسياحة. إن وجود منتجع متكامل سيعني ازدياد الحاجة إلى مطاعم، وفنادق، ومقاهٍ، وأسواق حرفية، ووسائل نقل، كلها ستفتح آفاقًا جديدة أمام الشباب الباحثين عن العمل. كما يُعد المشروع حافزًا لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وخصوصًا من القطاع الخاص، إذ أعلنت هيئة استثمار النجف أن هناك فرصًا مفتوحة أمام المستثمرين، مع ضمانات حكومية وتسهيلات مالية وإدارية. وهذا من شأنه أن يقلل الاعتماد على الوظائف الحكومية، ويدفع باتجاه تنمية الاقتصاد المحلي المستدام. أما من الناحية السياحية، فإن المنتجع سيغير خريطة النجف السياحية، التي كانت تقتصر في الغالب على السياحة الدينية. من خلال المشروع، يمكن إدماج السياحة الترفيهية والبيئية، إلى جانب السياحة الثقافية، ما يمنح الزائر تجربة متكاملة. البحر ومحيطه، بعد تهيئته، يمكن أن يستقطب عائلات من مختلف المحافظات العراقية، بل وحتى من دول الجوار، ولاسيما أنه سيكون مصممًا على الطراز الحديث، مع الحفاظ على روح البيئة النجفية. كما يشكل الموقع الجغرافي لبحر النجف عاملًا حيويًا، كونه قريبًا من مراكز دينية وتاريخية، ما يسهل على الزوار التنقل بين زيارة المراقد والمواقع السياحية الجديدة. هذا الدمج بين الروحي والترفيهي سيكون نقطة قوة نادرة على مستوى السياحة العراقية. تحديات أمام الطموح على الرغم من هذه الطموحات، إلا أن المشروع يواجه تحديات، منها الحاجة إلى تمويل ضخم، وضمان حماية البيئة، ومراعاة الأراضي الزراعية القريبة. كما أن كسب ثقة المجتمع المحلي سيكون مفتاح نجاح المشروع، وهو ما أكدت عليه الحكومة في أكثر من مناسبة. ويبقى تحويل بحر النجف إلى منتجع سياحي مشروعًا طموحًا قابلًا للتحقيق، إذا ما توافرت له الاستثمارات المحلية والعالمية والإدارة الحكيمة. وقد تكون هذه الخطوة بداية لمرحلة جديدة في تاريخ النجف والعراق، التي تتناغم فيها القداسة مع الحداثة، وتُطل فيها المدينة على العالم من نافذة السياحة والتنمية والاستثمار.