100%
كركوك/ عامر جليل إبراهيم
تصوير/ حسين طالب
يعد جسر داقوق في محافظة كركوك شاهداً على أحداث تاريخية مثلت انعطافات كبيرة في تاريخ العراق. ومازال الجسر، برغم قدمه، سالكاً حتى اليوم، يستخدمه الناس في العبور إلى الضفة اليمنى لنهر (جاي داقوق)، الذي يسمى بالتركمانية (طاووق صو)، وهو أحد فروع نهر العْظيم، الذي ينبع من مرتفعات قرة حسن ويعبر جبال حمرين ثم يلتقي بمجرى نهر العظْيم الرئيس.
مجلة "الشبكة العراقية"، وضمن سعيها للتعريف بالأماكن الدينية والأثرية، وتزامناً مع اختيار بغداد عاصمة السياحة العربية لعام 2025، التقت السيد رائد عكلة العبيدي، مفتش آثار كركوك ليحدثنا قائلاً:
شيّد العثمانيون، في فترة حكمهم العراق، جسر داقوق منذ 137عاماً، وسمي بنفس اسم القضاء الذي شيد فيه قضاء داقوق (45 كم جنوب كركوك)، ويعد من أقدم الجسور في المحافظة، الذي يربط مدن شمالي العراق بالعاصمة بغداد.
يضيف عكلة قائلاً: إن الجسر استخدم، لسنوات، ممراً رئيساً لانتقال المدنيين من كركوك باتجاه العاصمة، قبل أن يجري اعتماد المسار الجديد، الذي يربط المحافظة بقضائي داقوق والطوز، وصولاً إلى ديالى وبغداد. وللجسر مكانة تاريخية، فهو من أهم الجسور التاريخية في كركوك."، مبيناً أن "هناك أجزاء من الهيكل الحديدي في مقدمة الجسر تستخدم للعبور وربط أجزاء الجسر بعضها ببعض، ولا يفوتني أن أذكر أن القوات الإنجليزية عندما دخلت إلى العراق في عام 1914 لمحاربة القوات العثمانية، استخدمت الجسر للانتقال صوب بغداد.
وعن طريقة بناء الجسر يقول العبيدي: إن الجسر المكون من 12 قوساً مبنياً بحجر الجبال، وهي الطريقة القديمة المعروفة في البناء، وبهيئة الأقواس والقبب التي تتميز بالقوة والرصانة، وقد تعرضت مقدمة الجسر للانهيار عندما سلكته القوات الإنجليزية، لكن جرى تعميره بواسطة هيكل حديدي جرى استيراده من بريطانيا ليتعانق الحجر العثماني مع الحديد الإنجليزي ويبقى أثراً لحقبتين مؤثرتين مرّتا على العراق.
المواصفات المعمارية
يضيف مفتش الآثار: أن الجسر العثماني بني سنة 1883 خلال الحكم العثماني بأمر من الوالي مدحت باشا، واستغرق بناؤه 10 سنوات، وشيد بالحجر الطبيعي المستخرج من الجبال الموجودة في المنطقة، لذا فإنه يتميز ببنية حجرية متينة لا تزال قائمة حتى اليوم، برغم العوامل الطبيعية والتاريخية. ويتميز الجسر بفتحات مقوسة ومقببة عددها 12 ترمز إلى عدد أشهر السنة، ويبلغ طوله نحو 365 م، ترمز الى أيام السنة. أما عرضه فهو 7 أمتار، وهو يرمز إلى أيام الاسبوع السبعة. مضيفاً أنه جرى في السنوات الأخيرة تنفيذ أعمال صيانة وترميم للجسر بهدف الحفاظ عليه كمَعلَم تاريخي وسياحي. وشملت الأعمال صب الأسس وتقوية الركائز، بالإضافة إلى تهذيب المداخل والمخارج لضمان استدامته.
الأهمية التاريخية
أثناء حديثنا مع مفتش اثار كركوك، شاركنا الحديث السيد وسيل علي فرحان، منقب آثار، قائلاً: يعد جسر داقوق العثماني من أبرز المعالم التاريخية والسياحية في محافظة كركوك، حيث يقصده السياح من داخل وخارج العراق، لما يتميز به من جمال معماري، فضلاً عن المناظر الطبيعية المحيطة به. ولكون الجسر يعود إلى حقبة تاريخية هي الحقبة العثمانية، فإن زيارته تمنح السائح لمحة عن تاريخ المنطقة وطرازها المعماري القديم، إذ إن تصميمه بالقناطر الحجرية والانحناءات المتقنة، يجعلاه معلَماً جاذباً لهواة التصوير والهندسة المعمارية، كما أن موقعه المميز، بالقرب من المواقع التاريخية الأخرى في المحافظة، من قلاع ومراقد دينية، مثل قلعة كركوك ومرقد الإمام زين العابدين (ع)، فضلاً عما يمتاز به موقعه من سكينة وهدوء بعيداً عن زحام المواقع السياحية الكبرى، كل هذا يمنحه ميزة مفضلة للسائحين والزوار.
ويؤكد فرحان: أن الجسر، وبرغم مرور قرون على بنائه، ما زال قائماً، لكنه يعاني من الإهمال وغياب الصيانة والبنية التحتية السياحية، مثل اللافتات والاستراحات والإضاءة وغيرها، وهنالك مطالبات متكررة من السكان المحليين والمنظمات الثقافية بترميمه والحفاظ علية، كونه جزءاً من التراث الوطني العراقي ومعلَماً أثرياً وتاريخياً.