أحمد جعفر /
في مشهد جديد يتشكل على أنقاض الفوضى النقدية القديمة، تخطو البلاد خطوات جادة نحو تبني نظم الدفع الإلكتروني كركيزة إصلاح مالي طال انتظاره، ولعلّ ما تحقق خلال عام واحد فقط يعكس إرادة سياسية ومؤسساتية تزداد صلابة في مواجهة الاقتصاد غير الرسمي، وسعيًا لتحقيق الشمول المالي المنشود. فقد تجاوزت قيمة التسويات المالية المنجزة عبر أدوات الدفع الإلكتروني خلال عام 2024 سقف 18 تريليون دينار، في قفزة غير مسبوقة تُحسب ضمن مؤشرات نجاح المشروع، الذي انطلق برؤية حكومية واضحة، تُساندها مظلة البنك المركزي العراقي، ورابطة المصارف الخاصة، إلى جانب شركات الدفع الإلكتروني التي باتت تلعب دورًا محوريًا في البنية المالية الجديدة. ومع صدور الستراتيجية الوطنية للدفع الإلكتروني، أصبح لزامًا على المؤسسات العامة والخاصة أن تفتح أبوابها أمام المدفوعات الرقمية، في ما وُصف بأنه "التحول الأكبر" في النظام المالي العراقي منذ عام 2003. ويشير البنك المركزي إلى أن من أبرز أهداف المشروع معالجة التشوهات النقدية المستعصية، إذ لا يزال أكثر من 80 % من الكتلة النقدية متداولًا خارج الجهاز المصرفي، ما يشكّل عقبة أمام أدوات السياسة النقدية والمالية الفعّالة. خطط طموح يقول علي طارق، المدير التنفيذي لرابطة المصارف الخاصة العراقية، إن "التحول الرقمي يشهد تقدمًا ملموسًا بفضل الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية، وتطوير نظم الدفع، وتحسين أمن المعلومات، إضافة إلى التدريب وبناء القدرات البشرية." ويضيف لـ"الشبكة العراقية" أن "إلزام الحكومة باستخدام الدفع الإلكتروني انعكس على الأرض بسرعة، إذ جرى نشر أكثر من 780 نقطة بيع خلال فترة قصيرة." امتدت مظلة المشروع لتشمل وزارات التعليم والصحة والكهرباء والبلديات، كما ألزمت أمانة بغداد المراكز التجارية والمحال بتوفير خيارات الدفع الإلكتروني، ليرتفع عدد أجهزة نقاط البيع (POS) من 8,000 جهاز تقريباً في 2022 إلى أكثر من 25,000 جهاز بنهاية 2024، وسط خطط طموح للوصول إلى 50,000 جهاز خلال عام 2025. وتابع طارق: "ارتفعت قيمة التسويات المالية عبر أدوات الدفـع الإلكتروني إلـى أكثر من 18 تريليون دينار، بينما لم تكن تتجاوز 500 مليار دينار قبل سنوات." لافتًا إلى أن "عدد البطاقات المصرفية النشطة تجاوز 20 مليون بطاقة، والحسابات المصرفية تخطت 14 مليون حساب." كما أشار إلى أن بعض المصارف بدأ بتوفير خدمات التسوية إلكترونيًا بالكامل، دون الحاجة لحضور الزبون، بما ينسجم مع ستراتيجية الحكومة نحو الأتمتة وإطلاق الحكومة الإلكترونية. الاستثمار التكنولوجي أما الخبير المصرفي همام الشماع، فأكد أن "الرقمنة لا توسع فقط قاعدة الشمول المالي، بل تُعد أداة فعالة لتوسيع القاعدة الضريبية دون رفع الضرائب." مشددًا على أنها وسيلة للحد من التهرب وتعزيز العدالة الاقتصادية. لكن على الرغم من هذا الزخم، لا تزال هناك تحديات قائمة، منها ضعف الإنترنت في بعض المناطق، ومحدودية الثقافة الرقمية لدى قطاعات من المواطنين، إلى جانب مخاوف من التهديدات السيبرانية. يقول الخبير الاقتصادي والمصرفي صفوان قصي إن "التحدي الأكبر يتمثل في ضعف الاستثمار في التكنولوجيا، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص." مبينًا أن "التردد في ضخ استثمارات رقمية يعيق استدامة المشروع." كما شدد على ضرورة "توحيد بيئة البرمجيات محليًا مع الأنظمة الدولية لتقليل التكاليف والعمولات والحد من الفساد." وأشار في تصريح لـ"الشبكة العراقية" إلى أن البنك المركزي "يبذل جهودًا للتعاون مع شركات تكنولوجيا عالمية، لضمان انسيابية تدفق المعلومات بين المصارف ووزارة المالية."