بعد افتتاح مرحلتين منها أور.. الحياة بالقرب من (أورنمّو)

الناصرية / صفاء ذياب في العام 2022، احتدم جدلٌ في مدينة أور التاريخية من أجل بناء مدينة أور الثقافية، الجدل الذي كانت له أطراف كثيرة، منها مديرية الآثار، ومحافظة ذي قار، ومجلس الوزراء، وغيرها. وقد كان مخطّطًا لهذه المدينة أن تكون قريبة من مدينة أور الأثرية لتكون جاذبة للسياح، في حين كان لمديرية الآثار رأي آخر، لأن هذه المنطقة ما زالت بكرًا ولم تنقب بشكل كامل، وبالتالي فهي تحتوي على كنوز آثارنا التي تمتد لمئات الكيلومترات. الجانب الآخر من العالم هذا الجدل والرفض، دفع مجلس إعمار ذي قار، وبإشراف الأمانة العامة لمجلس الوزراء، إلى اختيار أرض أخرى بعيدة عن مدينة أور الأثرية، وأقرب من مدينة الناصرية نفسها، لإنشاء مدينة أور السياحية على مساحة تجاوزت 460 دونماً، لتنتهي المرحلة الأولى أواخر العام 2024 لتشمل: المسرح السومري المفتوح الذي يسع ألفًا وخمسمائة متفرج، ومسرح أور ويسع خمسمائة متفرج، ومطعمين، ونافورات، وشوارع رئيسة وفرعية رصفت بالحجر، فضلًا عن سياج كامل للمدينة. أما المرحلة الثانية (التي مازالت في طور البناء) فستشمل: متحف أور العالمي، ومدينة الدراما التي تتكون من ((الحارة السومرية، والحارة البابلية، والحارة الشعبية الجنوبية القديمة، وستوديو (بلاتوه)800م، ومسرح دار الأوبرا الذي يسع ألفًا ومائتين وخمسين متفرجاً، والمنصة))، فضلاً عن بنايات أخرى تشكل الدفاع المدني ومركزًا للشرطة ومركزًا صحيًا وغيرها. معمار سومري بُنيت المدينة على شكل المعمار السومري، بتفاصيله الدقيقة، فضلًا عن إضفاء لمسات حديثة لتتناسب مع واقع الحياة اليوم. وقد بيّن علي عبد النبي الزيدي، المشرف الثقافي للمدينة، أنَّه خُطِّطَ لهذا المشروع بشكل تدريجي، فقد ظلَّ التفكير به مستمرًا وفق آلية مدروسة باتجاه تأسيس مدينة سياحية متكاملة المنشآت، لها هويتها، بوصفها تنطلق من اسمها (مدينة أور) وهي محايثة لأور السومرية، إذ لا تبعد عنها سوى كيلو متر واحد تقريبًا. وهكذا بدأ العمل على مشروع بناء متحف أور العالمي، الذي يفوق المتحف العراقي على مستوى المساحة والتصميم، ومن المؤمّل لهذا المتحف أن يستوعب الحضارات العراقية مع حضارات العالم، ليتحوّل إلى مكان للحوار الإنساني، وأيضًا بدأ العمل بمدينة الدراما، ودار الأوبرا، وهو مصمّم ليكون الأول من نوعه في العراق وفق الطراز السومري. أضاف الزيدي أنَّ التصميم يجري وفق هوية بصرية تعتمد بالدرجة الأساس على الهوية السومرية القديمة وتفاصيلها الجمالية على مستوى المعمار، لتكون النتائج النهائية باتجاه تأسيس مدينة أور السياحية الجديدة التي تلتقي مع أور السومرية. الحياة قبل 5000 سنة حاول مهندسو مدينة أور السياحية العمل على إدخال الزائرين إلى الحضارة السومرية بتفاصيلها العديدة، ولاسيما بعد أن دخلت أور ضمن التراث العالمي وأصبحت وجهة جذب للسائحين الأجانب، فضلًا عن العرب والعراقيين، لذلك سيجدونها مغايرة تمامًا على مستوى المعمار المبهر، ولاسيما أنَّ هذا المشروع هو الأوّل من نوعه عراقياً، إذ إنَّ الدولة لم تلتفت لمثل هذه المشاريع المعنية بالسياحة والثقافة، وظلّت مشاريعها معنية بالدرجة الأساس بالخدمات. لذلك يُعدّ هذا المشروع تحوّلًا إلى مكان أثيري جاذب للسائحين من مختلف بلدان العالم، وبالتأكيد بعد اكتمال المشروع من جانبه الحكومي، وجانبه الآخر الاستثماري سنكون أمام مدينة فريدة من نوعها، ونموذج يتمازج فيه الحديث مع القديم، ليكون صورة العراق الجميلة. المسرح السومري وفي حديثٍ لنا، أشار المسرحي محسن خزعل، مدير مسرح أور المغلق في المدينة، إلى أنَّ "الافتتاح الجزئي لمدينة أور السياحية انعكس على مجمل الفنون في مدينة الناصرية، لما لها من الأثر الكبير في تغيير معالم المدينة، ولاسيما أماكن العرض، فأصبحت العروض تقدّم على أروقة المسرح السومري وقاعة مسرح أور، إذ لم تعرف المدينة على مدى تاريخها الفني بناء قاعة مسرحية واحدة مجهّزة بأحدث تقنيات الإضاءة والصوت، وقد شهدت المدينة إقامة مهرجان الحبوبي السابع بمختلف فعّاليته الشعرية والندوات الفكرية والموسيقية، وشهد المهرجان العرض الأول لمسرحية (حدث ما لم يحدث)، ما يعد إضافة كبيرة للمدينة. كما قُدِّمَ عرض مسرحي للأطفال بعنوان (دفتر توفير)، من إخراج حسين علي هارف وتأليف رحيم العراقي. وبهذا شكّل الافتتاح الجزئي لمدينة أور السياحية انعطافًا تاريخيًا في المشهد المسرحي، وسوف يتغيّر طابع المحافظة بعد الشروع في بناء مدينة الدراما الإعلامية، فضلًا عن إنشاء كلية الفنون الجميلة، هذه المرافق هي أرض خصبة لإنتاج دراما عراقية وعربية وتقديم عروض فنية بمختلف أجناسها، ما يجعل ذي قار جاذبة للاستثمارات الفنية، التي تعطي أفضلية لمدينة الناصرية في إقامة المهرجانات ومختلف الفعاليات، وهي أيضاً تشكّل مردوداً مادياً ضخماً للمدينة، وتكوين مراكز أخرى غير العاصمة في احتواء الفنون." مهرجان الحبوبي ومن أهم الفعاليات التي أقيمت على أرض مدينة أور الثقافية مهرجان الحبوبي، الذي أقيم في شهر تشرين الثاني الماضي. وعن مدينة أور والفعاليات الثقافية، تحدّث الشاعر علي الشيال؛ رئيس اتحاد الأدباء في ذي قار، موضحاً "أنَّها تعدُّ النافذة الوحيدة الثقافية، لاسيما بوجود مسرحَين هما: مسرح أور المغلق، والمسرح السومري المفتوح، بعد أن تمَّ افتتاح المسارح رسمياً، أصبح لدينا الآن في اتحاد الأدباء مكان حقيقي لإقامة أيّ نشاط ثقافي، يليق بأدب الناصرية الموغلة بالقدم، لذلك حُلِّت أكبر أزمة كنّا نعاني منها حينما ننوي إقامة مهرجان أو عمل المسرحي، بسبب خلو الناصرية من أيّة قاعة حقيقية وخشبة مسرح متطوّرة، وقد أنقذت هذه المدينة مهرجان الحبوبي بنسخته السابعة الذي أقيم بفقرات فنية وثقافية وسينمائية متعدّدة، وبحضور أكثر من 150 شخصية ثقافية من داخل وخارج العراق، ولولا وجودها لما كانت هناك فعاليات من هذا النوع الفريد، وقد اقتصرنا على الفعاليات وعدد المدعوين، لذلك كانت هذه المدينة، بمسارحها المنقذ الذي أتاح لنا العمل بحرية."