100%
حليم سلمان
تتكرر العبارة الشهيرة: "مات البابا… عاش البابا!" في كل مرة يُعلن فيها عن وفاة بابا الفاتيكان، أو أي قائد ديني أو رمزي على هذا المستوى. هذه الجملة القصيرة، المحمّلة بالتناقض الظاهري، تحمل في طيّاتها معاني رمزية عميقة تتعلق بالاستمرارية، والسلطة، والطقس الديني.
تاريخياً، فإن عبارة "مات الملك، عاش الملك!" نشأت أولاً في السياقات الملكية، وتحديداً في فرنسا بالعصور الوسطى، وكانت تُستخدم للإشارة إلى استمرارية الحكم، حيث لا يمكن للعرش أن يكون شاغراً ولو للحظة، فبمجرد موت الملك، يُعلن عاجلاً أن الملك الجديد قد تولى الحكم، حتى قبل تتويجه الرسمي.
وبالمقابل، فإن ثابت التعبير الذي يستخدم في سياق البابوية، "مات البابا… عاش البابا"، يعكس نفس المفهوم: (الكرسي الرسولي لا يموت، حتى إن مات الجالس عليه).
كل بابا يحمل رؤى مختلفة، وشخصية فريدة، وقد يُحدث تغييرات إصلاحية أو يُحافظ على التقاليد، لكن في نهاية الأمر، يبقى المنصب نفسه أكبر من أي شخصٍ يتولاه، ولذلك، فإن موت البابا لا يُنظر إليه كنهاية، بل بداية فصل جديد في مسيرة الفاتيكان.
(مات البابا... عاش البابا) تُلخص الجانب الطقوسي والسياسي في عملية انتقال السلطة داخل الفاتيكان، ذلك يتم بعد وفاة البابا، بطقوس دقيقة تُعرف بـ "الكونكلاف"، حيث يجتمع (الكرادلة) من مختلف أنحاء العالم لاختيار البابا الجديد. وبين موت البابا السابق وانتخاب البابا الجديد، تكون الكنيسة في حالة تُسمى “Sede Vacante” أي "الكرسي الشاغر". ومع تصاعد الدخان الأبيض من مدخنة كنيسة سيستينا، يُعلن للعالم أن البابا الجديد قد تم اختياره، فيُولد من جديد هذا الكيان الحيّ الذي يُسمى بـ الحبر الأعظم.
تحمل الجملة في طياتها فكرة أكثر إنسانية: (الحياة تستمر، مهما كانت خسارتنا كبيرة). فحتى في الموت، هناك ميلاد جديد، وفي نهاية كل عهد، هناك من يُكمل المسيرة. وهكذا، سواء كنا نؤمن بقدسية المنصب أم ننظر إليه من منظور تاريخي وسياسي، تبقى (مات البابا… عاش البابا)، جملة تختصر فلسفة الحياة الكنسية المسيحية ذاتها.
إنها دعوة لفهم أن الرموز لا تموت، بل تتجدد، وأن المؤسسات القوية لا ترتبط بأشخاصها فقط، بل بما تمثّله.