ذاكرة الماضي

ثقافية

ذاكرة الماضي
100%
كاظم غيلان تعددت مواهب جمعة اللامي بين تجاربه الإبداعية في كتابة القصة والرواية، مثلما برزت موهبته الأخرى في تجربته الصحفية العريقة، التي توّجتها سنوات عمله في الصحافة الإماراتية، بعد أن اختار إقامته الاضطرارية هناك، فكانت لفسحة الحرية التي حلم بها وناضل وسجن لأجلها مساحة أتاحت له إبداعه وتميزه، كان لعمله الريادي والتأسيسي في جريدة (الخليج) دور بارز استطاع من خلاله تكريس ما بوسعه من طاقة تعبيرية في عموده الشهير (ذاكرة المستقبل). جمعة اللامي، كمثقف، وكمواطن عراقي أولًا، زخرت ذاكرته بكل وقائع الماضي، وانحاز بشغف وحب كبيرين لذلك الزمن بحنين أشد من جارف، أسهمت الغربة في ترسيخه. الماضي بكل ما في تجربته العريقة يحضر بقوة، يضيء ويتسع حتى يكاد المستقبل يختفي تجاهه، لما فيه من قوة استدعاء يصوغها بلغته الروائية المعروفة. ماضي جمعة، الكاتب الروائي، السجين السياسي، الشاهد على أزمنة مضطربة وصداقات لها طعم الخنجر في القلب الحالم، مقاهٍ وحانات وأرصفة مدن ونخيل أرياف وسقوف مدارس ومعسكرات ولهب ثوري وأحلام.. الخ. كلها تتدافع في ذاكرة اللامي، يتشبث بها وتتشبث به كصائغ وفيّ نادر. ذاكرة تقدح بكل ما في ماضي جمعة لتضيء عتمة أيامه، سنواته القاهرة الدامية، وطن مخيف ومنفى قاس، شعر وأغانٍ وصراع مستمر لا يفضي إلا لخيبات متتالية. معسكر الرشيد، سجن (نكرة السلمان)، الماجدية، سعيد المتروك، زينب، سيد عاشور.. إلخ. كل هذا يحتشد في ذاكرة جمعة المفجوعة بحنين طفل يبكي.. ثم يبكي، ولا من أحد يواسيه في البكاء. يسألني في تراسلاته عبر الماسنجر عن أمكنة هنا، في (العمارة)، وبعض شخوصها الشعبيين، فتدهشني ذاكرته الممسكة بكل تلك الجزئيات التي لم تبرحها، كيف أن كل تلك السنوات الطوال، وما فيها من صراعات وحروب ومصائب، لم تلقِ بتشوشاتها عليه. حنين جمعة لبيئته الأولى يرتفع مع كل انتكاسة صحية كانت تعترضه، فيجهش بالبكاء ويصرخ باستغاثة الغريق: (أتمنى أن أدفن بين نخلتين هناك...). هكذا قال في واحدة من كتاباته في ذلك العمود. يتخيل لي الآن، وهو يوارى في تربة النجف، بينما تغيب النخلة التي أراد لسعفاتها أن تظلل قبره. غادر جمعة العراق عند حافة نهاية سبعينيات قرن مضى، وفي قلبه غصات وغصات بلاد ساقتها رشاشات قطعان الحرس القومي ذات صباح أسود، أراد لذلك القلب أن يستريح، ولشجرة الأحلام أن تورق، لكن أنين (مسعود العمارتلي، وسيد محمد، وجويسم، وكريري، وسلمان المنكوب) لم تبرح ذاكرته، فتعصف بها. أراد أن يرى الرايات الثورية خفاقة، وأشعار صديقه مظفر النواب صادحة معه، فحصلت المفارقة في أن يتلقى علاجه، حتى رحيله، في ذات المشفى الذي شهد مغادرة النواب، وكأنهما يتناوبان في أغنية عامرة بليل ليس عراقيًا: (مرينه بيكم حمد).

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج