100%
زياد جسام
تصوير/ خضير العتابي
غسان عادل
برحيل الكاتب والروائي جمعة اللامي، تطوى صفحة من صفحات السرد العراقي المعاصر، ويغيب صوت أدبي وإنساني ظل وفيًا لقيمه ومبادئه، ومتشبثًا بحبه العميق للوطن حتى آخر لحظة من حياته. لم يكن اللامي مجرد كاتب، بل كان ضميرًا حيًا من جيل مثقف قاوم بالصوت والكلمة والصدق.. جيل كتب تحت الرصاص، وتحت وطأة المنافي.
جمعة اللامي، الكاتب الذي حمل الوطن في قلبه وحقائبه، وعاش عمره متجولًا بين المنافي، عاد أخيرًا.. لكن إلى سكون أبدي، فبعد كل تلك السنوات من الغربة، لم يجد مأواه الأخير إلا في تراب العراق، الوطن الذي كتب له، واشتاق إليه، وبكى غيابه. استقر اللامي أخيرًا في الأرض التي أحب، وإن جاءها جسدًا راحلًا. عاش غريبًا، لكنه دُفن بين أهله ومحبيه، وبين مفردات لغته التي لم تغادره يومًا.
شيّع جثمانه إلى مثواه الأخير في مقبرة وادي السلام بالنجف، بعد أن وافته المنية في دولة الإمارات عن عمر ناهز الـ 78 عاماً. وقد أقام الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق مجلس عزاء يليق بمكانته، بحضور أفراد عائلته، وعدد كبير من المثقفين والشعراء والأدباء.
في جلسة التأبين، ألقى الدكتور عارف الساعدي، المستشار الثقافي لرئيس الوزراء، كلمة مؤثرة قال فيها:
"لم أكن أتوقع أن أقف هذه الوقفة لأؤبن رمزًا من رموز العراق، وقامة من قاماته الأدبية. جمعة اللامي، الذي تشرفت بزيارته أواخر رمضان الماضي، برفقة الشاعرين حميد قاسم وعمر السراي، مبعوثين من قبل دولة رئيس الوزراء للاطمئنان على صحته. كنا نتحدث عن زيارته المرتقبة إلى بغداد، ونخطط لاستقباله واستقراره في العراق.. وها هو الآن، مستقر وخالد في ذاكرة هذا الوطن. سلامًا على روحه وأدبه، وما قدمه لهذا البلد."
تلتها كلمة وكيل وزارة الثقافة والسياحة والآثار، الدكتور فاضل محمد حسين، استذكر فيها منجزات الراحل في مجالات القصة والرواية والأدب والصحافة، مشيرًا إلى أن اللامي كان سفيرًا للثقافة العراقية في المنافي، ومدافعًا عنها عبر سردياته الأدبية، التي مثّلت مشهدًا ثقافيًا زاخرًا بالإبداع.
أما الدكتور نوفل أبو رغيف، رئيس هيئة الإعلام والاتصالات، فقد قرأ قصيدة حزينة لأبي الطيب المتنبي، بعنوان "نعد المشرفية والعوالي"، واختتم كلمته بمفاجأة للحضور، حين قال:
" سأبوح لكم بوصية الراحل جمعة اللامي التي أرسلها لي، وطلب مني تنفيذها بعد وفاته. قال: إذا نقلت جنازتي إلى بغداد، أطلب أن تخرج يدي من التابوت أثناء عبوري من المطار إلى اتحاد الأدباء.. قلت له: ما هذا الطلب؟ فأجاب: لعلي أريد أن ألوّح لأهلي، أن أرفع يدي وكأني أحيّي العراق، وأسلّم على كل من تمر بهم الجنازة.
وفي كلمة مؤثرة، وصف رئيس الاتحاد، الكاتب علي الفواز، رحيل اللامي بالخسارة الكبيرة، قائلًا إنه كان يمثل التقاء الفكر اليساري بالتصوف، وشاهدًا على تحولات الثقافة العراقية، وله باع طويل في السرد والمقالة والأدب.
اليوم، ونحن نودع جمعة اللامي، لا نودع كاتبًا فحسب، بل نودع ضميرًا ثقافيًا، وصوتًا ظل وفيًا للناس والهامش، وصديقًا للمنافي، ومقاومًا للنسيان. ستُقرأ كتبه وتُدرس، وسيبقى اسمه محفورًا في ذاكرة السرد العراقي، وفي قلوب من عرفوه، أو قرأوه، أو مروا بجواره في الطريق الطويل نحو عراق أجمل.
وداعاً جمعة اللامي.. ستبقى حاضرًا في حكاياتنا، كما كنت دائمًا: سارد العراق ومُحبه النقي.