جمعة اللامي.. بلاغة الحكمة الشعبية

اعمدة

جمعة اللامي.. بلاغة الحكمة الشعبية
100%
أحمد سعداوي منذ مجموعته القصصية الأولى (اليشن) في 1968، اختط جمعة اللامي مساره الخاص، بتناول الثقافة الشعبية ومحتوياتها الاجتماعية والأسطورية، في بناء عوالمه القصصية والروائية، إلى حدّ يمكن وصف ما أبدعه بأنه اشتغال مبكر ورائد في الأدب الفانتازي العراقي، حتى ما قبل غزو مؤلفات أميركا اللاتينية وواقعيتها السحرية المعروفة لمكتباتنا العربية. يخترع اللامي مدينة خيالية اسمها (اليشن)، لتحتوي كلّ العناصر الاجتماعية والثقافية للجنوب العراقي، ولاسيما محافظة ميسان، حيث ولد وعاش شبابه. إنه عملٌ يذكّر بما فعله رائد من روّاد الحداثة الروائية العالمية، وهو وليم فولكنر، الذي صنع إقليماً خيالياً اسمه (يوكنا باتوفا)، واخترع مدنًا وأنهارًا في هذا الإقليم الذي تجري فيه معظم أحداث رواياته. هذا الإقليم يمثّل استعارة عن الجنوب الأميركي في ثلاثينيات القرن الماضي، وبلغ عدد الروايات التي تدور في هذا الإقليم نحو15 رواية وأكثر من12 قصة قصيرة. على خلاف فولكنر، فإن اللامي لم يعد الى إقليمه الخيالي (اليشن) بشكل مباشر في أعماله الأخرى، وإنما ظلّت روح المكان الأسطوري الذي أسّسه تطوف في أجواء القصص والروايات اللاحقة، باعتباره استعارة جمالية ورمزية عن الجنوب العراقي، بكلّ طبقاته التاريخية المختلفة. والدليل على بقاء (اليشن)، المكان الأسطوري الذي يرمز إلى الجنوب العراقي، حاضرًا وفاعلًا في المخيلة الأدبية لجمعة اللامي، هو كتاب (اليشنيون) الذي صدر في العام 2015، أي بعد 47 عاماً من اختراعه أول مرّة لليشن الأسطوري. يتناول في (اليشنيون) مصائر شخصيات هامشية ومنسيّة، ويجعلها تنبض بالحياة والحكمة، في مقاومتها للنسيان والضياع، وتمتزج في سردياتها الرمزية السياسية والاجتماعية، ويحلّق اللامي بها في فضاء الأسطورة والبلاغة الشعرية. في أدب اللامي تنكسر ثنائية الهامش (حيث المدن والمحافظات العراقية المختلفة) والمركز (حيث بغداد مركز النشاط الثقافي والابداعي)، وينكسر التصوّر السائد أن الرواية والقصّة ترتبطان بالمدينة المعاصرة، فيسحب اللامي سردياته، مثل أدباء عالميين كثر، إلى الحكي الشفاهي والحكمة الشعبية، والشخصيات الهامشية في الأرياف والأهوار والبراري، ويجعلها مركز عالمه القصصي والروائي. إن رحيل جمعة اللامي مناسبة لرثاء قامة أدبية عراقية رفيعة، ولكنها أيضاً مناسبة للتذكير بمنجزه الأدبي، وأهمية قراءته والاطلاع عليه، والدرس الأهم، حسب رأيي، في هذا الأدب؛ هو تلك الأهمية الحاسمة لعلاقة الأدب الحديث بالثقافة الشعبية، وأن يكون الروائي والأديب عارفاً ومتفهّماً للثقافة الشعبية المحليّة، وما هو أهمّ: متقبلًا ومحتضنًا لها، فهي عصبٌ أساسي في هوية الأدب الحيّ، وخزّانٌ مهمّ للرموز والاستعارات والصور التي يعتاش عليها أيّ نصّ أدبي عظيم.

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج