علي السومري /
للمرة الأولى يغيب عموده عن (الشبكة العراقية)، كان دائم الكتابة فيها حتى في أشد لحظات مرضه، كيف لا؟ وهو الصحفي الأمهر، والقاص الكبير، وصوت الجنوب الذي طالما دوّن حكايات أهله وآلامهم. منذ بواكير وعيه، التزم (اللامي)، موقفاً واضحاً من الوطن وقضاياه، ليدفع بسببه أثماناً باهظة، اعتقالات ومطاردة واضطهاد، لكنه لم يتخل عن مبادئ آمن بها حتى الرمق الأخير. بالرغم من هجرته مطلع ثمانينيات القرن الماضي، ظل هاجس الوطن يؤرقه، يعيش كجسد في المنفى، بينما تحوم روحه في بغداد التي عاش فيها، ومدينة العمارة التي شهدت صرخة ولادته. يكتب عن أوجاع إخوته زمن الديكتاتورية، ويقف مسانداً ومدافعاً عن العراق وثرواته بعد زوالها. كان يطيل النظر من نافذة بيته الإماراتي، وكأنه يرقب المدن التي عاش فيها صباه وشبابه، المدن التي زارها بعيد سقوط الطاغية وتتبع فيها آثار ذكرياته فيها. لم يكن (اللامي)، قاصاً فحسب، بل كان موقفاً ثقافياً ملتزماً، آمن بقدرة العراقيين على النجاة بعد كل مصيبة، حالماً ببناء وطن ينعم أبناؤه بالعدالة الاجتماعية، عدالة طالما قاتل من أجلها. من يقرأ سيرته الإبداعية، المدونة في إصداراته، يعرف أن هذا الرجل لم يغب يوماً عن أرضه، لم تغير سنوات المنافي (حسجته)، لم ينسَ جغرافية المدن وأصحابها. كان ذاكرة المدن، ومؤرشف أيامها. برحيله، فقد العراق رمزاً ثقافياً، واسماً لامعاً، وصوتاً طالما كان صوتاً لمن لا صوت له. ها نحن نحييك أثناء تشييعك المهيب، كما حييناك في حياتك الناصعة البياض، نرفع الأكف، لا كمن يودع غائباً، بل كمن ينتظر حبيباً. وداعاً جمعة اللامي، وداعاً أيها المعلم.