100%
مؤيد الطيب
يشتد الصراع في ساحة الدراما العراقية كل عام، بين الممثل الأكاديمي ومشاهير السوشيال ميديا، خاصة مع سعي شركات الإنتاج الدائم للبحث عن وسائل ترويج أسهل عبر المشاهير.
في المقابل، يسعى الممثل الأكاديمي، صاحب الخبرة الطويلة، إلى إيجاد ملاذه في المسرح، كبديل لمنطقة تمثيل حقيقية وساحة للتجربة المستمرة التي تصقل موهبته وتحافظ على الفن.
لا يزال الممثل الأكاديمي يرى في التجربة المسرحية مساحة ليكون متصدرًا لمهنة التمثيل، بعيدًا عن شاشات التلفزيون، التي صارت ترحّب بشخصيات مشهورة من خلال السوشيال ميديا، مفضلة إياهم على الممثلين الملتزمين بالتمثيل كفن احترافي، إذ يتيح لهم العيش في جو التمثيل الحقيقي، عبر التماس المباشر مع الجمهور، ما يشكل اختبارًا أصليًا لموهبتهم.
المسرح كملاذ
في هذا السياق، التقت "الشبكة العراقية" الممثل والمخرج المسرحي باسم الطيب، الذي قال: "في غياب النص الرصين والإنتاج الجاد في الدراما العراقية، يغيب الممثل الرصين والممثل الباحث. نحن نعاني - منذ سنوات- من هذه الأزمة، وعدم رؤية الممثل في مكانه الطبيعي. لذلك أرى أن التجارب الفنية الصعبة، مثل المسرح وكذلك السينما، هي الاختبار الحقيقي للممثل."
أضاف الطيب: "أنا، بالنسبة لي كممثل، أجد نفسي في المسرح، وهو من الفنون الصعبة، وليس بمقدور أي أحد العمل فيه، لاسيما أصحاب الاختصاصات البعيدة عن التمثيل، الذين وجدوا أنفسهم يمثلون على منصات التواصل الاجتماعي ودخلوا الساحة الفنية عبر الأعمال الدرامية المعروضة على القنوات العراقية، الذين لو خاضوا تجارب مسرحية صعبة، فلن يتمكنوا من مجاراة الممثل الحقيقي."
يتابع الطيب، وهو مخرج لمسرحيات مثل (عزيْزة، والتابعة، وولد ناس): "رسالتي أن علينا، كمسرحيين، مسؤولية زيادة الأعمال والتجارب المسرحية، لإيصال رسالة مفادها أن التمثيل ليس سهلًا، ولا يمكن تعليم الجمهور على الفن السهل الذي نراه على منصات التواصل وإنتقاله إلى التلفزيون. مضيفاً "الفن السهل زائل، ومعه يزول جمهوره، وتضيع قيمة الفن الحقيقي.
لذلك من واجب الممثلين الأكاديميين الاستمرار في إنتاج أعمال مسرحية تحافظ على مهنة التمثيل."
منطق السوق
بدوره، يرى المخرج والممثل المسرحي الدكتور علاء قحطان أن "المسرح اليوم يمثل الملاذ الحقيقي للممثل الأكاديمي في العراق، بينما تبحث شركات الإنتاج عن أرقام وجماهير جاهزة تجلبها أسماء مشاهير السوشيال ميديا، بغض النظر عن الموهبة، مشيراً الى ان المسرح يبقى "صعب الاختراق، وهو مساحة محمية نسبيًا من منطق السوق والإعلانات."
وأوضح قحطان، الحائز على جائزة أفضل ممثل في مهرجان القاهرة التجريبي عن دوره في مسرحية (سيرك): "المسرح لا يقوم على عدد المتابعين، بل على العمق الفني والقدرة على التواصل المباشر مع الجمهور.
لذلك يجد الممثل الأكاديمي، صاحب الخبرة الطويلة على الخشبة، فرصة لإثبات مهنيته وتجسيد موهبته، بعيدًا عن الضغوط التجارية، ما يحافظ على هويته الفنية ويمنحه مكانة ربما لا توفرها الدراما التلفزيونية."
وأضاف: "المسرح هو التجربة الأكثر أصالة ونضجًا للممثل، وهو منبر حقيقي لتطوير الأداء، يمنحه الصدارة الحقيقية حتى لو لم يظهر على شاشات التلفزيون.
على خشبة المسرح، الممثل يقف وحيدًا أمام جمهور حيّ يتفاعل معه لحظة بلحظة.
هذا الاحتكاك المباشر يصنع ما أعتبره أصعب أنواع الأداء الحقيقي، لأنه اختبار للطاقة الصوتية والجسدية والانفعالية كاملة."
حصن للهوية
فيما يؤكّد الممثل المسرحي والتلفزيوني، الدكتور مرتضى حبيب، أن "المسرح هو البيت الأول للأكاديمية، والمختبر الحقيقي لتشكيل مقاومة أدوات الممثل.
إنه مساحة حيوية للممثل الذي يؤمن بالتمثيل كفن احترافي، ويشكل حصنًا للهوية الحقيقية التي تحترم الفن والجمهور."
يضيف حبيب: "جوهر المسرح هو أصالته وحقيقته، وهو منبر محرض على السؤال والتفكير والتنوير، ومنصة للتطهير الفني.
المسرح يمنح الممثل كرامة الإرث الفني، على عكس الشهرة المؤقتة لمشاهير السوشيال ميديا."
يختم حبيب حديه قائلًا: "المسرح أداة فلسفية عليا، والتلفزيون يمثل المثل السفلى.
المسرح قيمة عليا، وأكتفي بهذا التوصيف."
في ظل هذا الصراع، ومع تزايد الأعمال الدرامية العراقية، خصوصًا في المواسم الرمضانية، يبقى السؤال قائمًا حول مدى صمود المسرح طويلًا، وتجارب الممثلين الأكاديميين، وهل يظل السد المنيع لاستمرار التمثيل الحقيقي، بعيدًا عن تبعات السوشيال ميديا، أم أن زمنه بدأ يتراجع مع قلة الأعمال المسرحية مقارنة بأعمال التلفزيون؟