100%
حميد قاسم
ذات صباح قديم، منتصف تسعينيات القرن الماضي، في ذروة الحصار، كنا نحتال على الحياة، أو على محنتنا من أجل العيش، دخل إلى القسم الثقافي في مجلة "ألف باء" سهيل سامي نادر، معلمنا في الحياة والصحافة، اندفع خطوات عدة وهتف بوجهي: "عندي لك فكرة" تحقيق مثير، قلت له: "عن المدن العراقية"، فرد بسرعة: "د اسمع لك، مكمن الإثارة في هذا التحقيق هو ما سيشغله من عراك بين النساء والرجال.. ستحاور الرسامين والنحاتين وحتى الأطباء ونقاد الفن عن الجسد وجمالياته بين الذكر والأنثى، وسترى..!"
في اليوم نفسه، بدأت بسؤال من حولي، وفيهم المحررة والروائية والمترجمة والناقد والشاعر عن الفكرة، محاورًا نفسي: ليس الديك وحده أجمل من الدجاجة، كل الحيوانات يكون الذكر فيها أجمل وأرشق جسدًا من أنثاه، خذ الطاووس المتبختر بإكليل ريشه الملون، المتوج بكعكولة من الريش، خد لبدة الأسد وقارنها باللبوة النزعاء، خذ الحصان وأنظر الفرس، خذ الكبش وأنظر النعجة، خذ ذكر الحمام وأنثاه، وخذ الجمل والناقة، وأنظر طيور الماء التي تأتينا من شمال أوربا، تجد ذكر الخضيري مطوق الرقبة بالألوان اللامعة، فيما أنثاه برقبة دقيقة وجسد نحيل، أخيرًا خذ الرجل ببنية جسده وتواصل شعر رأسه مع لحيته وشاربيه، ليس هذا انحيازًا أو عنصرية، لكنه ما نراه بمقاييس الجمال التي وضعها البشر أعقل الكائنات، وقد تتبدل، من يدري؟
هذه كانت فكرة التحقيق، الذي أشعل قاعة التحرير قبل أن اكتب منه حرفًا واحدًا..
أحد أقرب الشعراء إلى مزاجي قال: في علم الجمال الرجل أجمل من المرأة، فهو أكثر استجابة لقوانين الجمال، ولكي نفهم هذا، وبعيدًا عن أن الديك أجمل من الدجاجة، وذكر الطاووس أجمل من أنثاه، وغير ذلك، نفترض أننا لو انتخبنا أقبح رجل فسيكون أجمل من أقبح امرأة.
وهكذا حتى الوصول إلى أعلى مراتب المقارنة.
المرأة والزهرة مفردتان جماليتان بالقوة، غير أن للجمال - لو نطق- حكمًا آخر.
إذا تحرر الإنسان من المنظور النفعي، الذي يحكم به على الأشياء، فسيكتشف أنه لم يرها جيدًا.
هنا انتفضت زميلتنا المترجمة: طبعًا شكله يكون أجمل، وهذا جمال سطحي، لأن الذكر في حقيقته (ما ينجرع).. ريش ملون وزاهٍ، قرون حادة ملتوية مضحكة، عسى ولعل أن تقتنع الأنثى به.
وبين ذلك وهذه بقي الجدال قائمًا حتى اليوم..
مع هذا كله، أرى الآن، بعد ثلاثة عقود من مقترح الأستاذ سهيل سامي نادر، أن الأنوثة تتفوق على الجمال الجسدي، وعلى قوة الذكر أيضًا، ولا عزاء للرجال.