لمن يتوجّه الشاعر؟

اعمدة

لمن يتوجّه الشاعر؟
100%

أحمد عبد الحسين/

الشعر واقعة نفسية في الأساس. حدثٌ عميقٌ يتحقق في باطن الإنسان ولا شأن للخارج به إلا بقَدْر هامشيّ عارض. فبعد أن تُنجز الواقعة الشعرية تماماً، وليس قبلها أبداً، يأتي دور الإعدادات الثانوية التي تحتّم على القصيدة أن تباشر حضورها خارجاً كالنشر والإشهار وانتظار رأي الجمهور والنقاد. لكن القصيدة ـ قبل إنجازها وأثنائه ـ عمل يدور في أبهاء الذات، تنجزها «أنا» متوجهة إلى «آخر» ليس طارئاً عليها، آخرَ غير متعيّن خارجاً، بل هو في حكم الذات لأنه يستوطنُ الشاعر كما تستوطنه ذاته.

لا يخاطبُ الشاعر في الحقيقة أحداً خارج ذاته. وكلّ عبارة شعرية ممكنة، إنما هي في جوهرها تفريط بالآخر وإغماض عنه مهما كانت الكلمات تشير إلى موجودات من أشخاص وأشياء واقعية. ويبدو لي تحت التملّي العميق أن الشاعر لو أورد في قصيدته موجودات العالم كلها، فلن يكون العالمُ حينها إلا حجة هذا الشاعر لإنشاء خطابه مع ذاته.

نحن نخاطب ذواتنا بـ»الكلمات» الدالة على أشياء، وإذا تفرّس الشاعر في سؤال (لمن تتوجه قصيدتك؟) فلا أظنه سيجد جواباً مقنعاً غير القول أنها تتوجه لي أنا نفسي. وهذا الأمر، أي كون الشعر لا عين له تتطلع إلى الخارج، هو جوهر القول الهايدغري (الشعر أوفر الأشياء حظاً من البراءة).

الشعر فعل بريء. قد يكون الفعل الوحيد الذي تقتله براءته وتحييه في آن (أتذكر عبارة رامبو: توشك براءتي أن تبكيني)، براءته تجعله هشاً وقوياً في ذات الوقت، فقوّته تكمن في كونه غيرَ مبال بما يحدث خارج مدار الروح ولا شأن له بتدابير العالم الذي يجري على مقربة منه. وهكذا فان اكتفاءه بنفسه علامة سلطانه على ذاته. لكنه هشّ لهذا السبب بالذات، أي لأنّ هذا العالم يمكن أن يزدريه ويتنكّر له بسهولة لأنه ليس من سنخ العالم أو من جنسه ولا يماثله، فما هو غير نفعيّ لا يدخل في صلب العالم ولا يتنافذ معه، كل ما لا ينفع (أيّ كل ما هو جوهريّ في الحقيقة) عرضة للنسيان.

برغم كل ذلك، ما العلّة التي تجعل الشعرُ ضرورياً للذات الشاعرة؟ ما الأمرُ الحتميُّ الذي يجعلُ من الشعر مسألةَ حياة أو موت على رأي كازنتزاكي القائل (إذا تيقنتَ انك ستبقى حياً دون أن تكتب فلا تكتبْ)؟

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج