100%
حليم سلمان
ليس هناك منفذ للهروب من سؤالٍ يتردد هذه الأيام بكثرة، على مدار الوقت، وفي زحمة الحملات الانتخابية لـ 7,768 مرشحًا، من بينهم 2,248 امرأة، في انتخابات 2025:
من أنتخب؟
يحتدم النقاش بين الناس حول هذا السؤال، الذي تجاوز كونه سياسيًا، ليصبح اجتماعيًا وفكريًا في نفس الوقت. فالانتخابات البرلمانية العراقية أعادت إلى الواجهة تساؤلًا أعمق: كيف يختار الناخب من يصوّت له؟ إنه سؤال يتخطى الفعل الانتخابي، ليمسّ الوعي الجمعي والبنية النفسية والسياسية للناخب العراقي، الذي يعيش بين إرث طويل من التحزّب والانقسام، وبين رغبة حقيقية في التغيير والإصلاح.
لم يعد التصويت في التجربة العراقية مجرّد ممارسة ديمقراطية، بل انعكاس لمعادلة معقّدة تجمع بين الانتماء والهوية والمصلحة، ولاسيما أن الناخب العراقي يتحرك غالبًا ضمن ثلاثة محددات: الهوية الاجتماعية، والحاجة الاقتصادية، والإحساس بالثقة، أو الإحباط من (النخبة الحاكمة).
الانتماء الطائفي والعشائري والحزبي لا يزال حاضرًا بقوة، ويمثل، في بعض المناطق، المحدد الأول لاختيار المرشح، إذ لا يصوّت الناخب دائمًا على أساس البرامج، بل وفق الولاء أو الذاكرة السياسية. لكن هذا العامل بدأ يتراجع تدريجيًا، خصوصًا بين الشباب وسكان المدن الكبرى، حيث تنمو معايير جديدة تقوم على الكفاءة والقدرة على الإنجاز.
أما العامل الاقتصادي، فقد بات محورًا مؤثرًا في القرار الانتخابي، في ظل الأزمات المعيشية وتراجع فرص العمل. وبناءً على ذلك، أصبح كثير من الناخبين يصوّتون أملًا بتحسين الخدمات اليومية أكثر من اقتناعهم ببرامج سياسية. نتيجة لذلك، تبلورت ظاهرة "التصويت العقابي"، إذ يعاقب المواطن الكتل التي فشلت في الوفاء بوعودها، حتى وإن لم يجد بديلًا مقبولًا.
يبقى عامل الثقة هو الأكثر حساسية، إثر تراكم الإخفاقات السابقة، ما أضعف إيمان الناس بجدوى الانتخابات، وأدى إلى عزوف، أو تصويت متردد. لكن انتخابات 2025 تحمل إشارات (خجولة) إلى رغبة في استعادة الثقة عبر وجوه مستقلة وتحالفات جديدة، وإن ظلت محدودة التأثير أمام هيمنة القوى التقليدية.
في المحصلة، يمكن القول إن الناخب العراقي يختار تحت ضغط ثلاث دوائر متداخلة: دائرة الانتماء، ودائرة الحاجة، ودائرة الأمل. إنه يصوّت كما يعيش، بين الحذر والرغبة في التغيير، وبين الذاكرة والخوف من المجهول.
وإذا استطاعت القوى السياسية فهم هذه المعادلة، وتقديم برامج واقعية تتصل بحياة الناس اليومية، فقد تكون الانتخابات البرلمانية 2025 خطوة نحو إعادة تشكيل الوعي الانتخابي، لا مجرد تكرار للمشهد ذاته.
وبطبيعة الحال، آن الأوان أن يتحول صوت الناخب من موقع التأثير إلى موقع الاستجابة، ومن شعورٍ بالخذلان إلى ممارسة مسؤولة تعيد للانتخابات معناها الحقيقي: اختيار من يمثل الإرادة.. لا من يحتكر القرار.