100%
سلامة الصالحي
(كوكب المسرات)، عنوان رواية سيريّة للكاتب العراقي والروائي محمد سعدون السباهي، صدرت عن منشورات (آراس) في أربيل كردستان العراق عام 2011، دوّن فيها كاتبها يومياته في السجن بعد تعرضه إلى حكم قضائي جائر، أودعه السجن لمدة تسعة أشهر.
إذا نظرنا إلى تاريخ اليوميات نجد أن الكاتب قد دونها في أشد وأشرس فترة مر بها العراق وأهله، زمن الديكتاتورية، في تسعينيات القرن العشرين الكئيبة، فترة اشتدت فيها المحن والمصائب على البلاد، بعد غزو الكويت وخضوع العراق إلى عقوبات دولية، بدأت بحرب وحصار، توسطتها ضربات عسكرية قاسية طالت البنى التحتية للبلاد، والقيم الأخلاقية للناس أيضًا، خصوصًا بعد اشتداد أزمة الحصار، الذي كان داخليًا من قبل النظام البائد، وخارجيًا من قبل مجلس الأمن الدولي، وصار الإنسان رقمًا بائرًا في خضم جحيم انتهى بسقوط النظام.
أدب السجون
تبدأ الرواية باستهلال للكاتب أشبه بصرخة وأنين وبكاء خفي: "أحقًا أنني رأيت كل الذي رأيته، وسمعت كل الذي سمعته، وقرأت كل الذي قرأته، خلال حقبة الرعاع الملعونين، ومع هذا لم ينفجر قلبي، ولم أصب بالجنون؟ إذن يالي من..."
عند قراءة الرواية، نجد هذا النصّ يظهر واضحًا جليًا في التفاصيل التي ذكرها الكاتب، فلكل تفصيل هناك نقطة في الاستهلال، نقطة تدخل ضمن أدب السجون الذي بدأه ديستويفسكي في روايته المرعبة (ذكريات بيت الموتى). و(كوكب المسرات) لاتقل رعبًا وترويعًا عنها، فبالرغم من لغة الكاتب الحانقة المتذمرة الموجوعة والمتألمة، المكتوبة تحت سقف السجن الموارب، وأبوابه السميكة القاسية، وشبابيكه المشرعة في شهور البرد، إلا أنه ينجح باستدراجك، وبطريقة ذكية إلى مواصلة القراءة، موقدًا فينا شعلة الفضول لمعرفة مصائر تلك الكتلة العمياء، التي كان ينظر لها الكاتب بعين التذمر والقرف، التي عكست صورة البؤس واليأس اللذين وصل إليهما البلد، وأضطرار بعضهم إلى خرق القانون من أجل توفير لقمة العيش لعائلاتهم.
مسرات قليلة
في روايته كان (سبهان) شاهد إثبات على كل تلك الفظائع التي مرّت بالبلاد وناسها، كان فيها الشر غالبًا، وليس مغلوبًا في نفوس الكثيرين، سجناء وسجانين، فمن جرائم القتل إلى زنا المحارم وتجارة المخدرات وتعاطيها، حتى في السجن! تجارة بدأت في تلك الفترة وازدهرت بعد سقوط الطاغية، تضاف إليها جرائم محاولات الهروب وتجاوز الحدود للفرار من الجوع، فضلًا عن سجناء الرأي من السياسيين، أو سجناء حوادث السيارت، والأخيرة كانت تشمل كاتب الرواية.
تعيش روح القارئ عذابات الكاتب التي تبدأ من لحظة المحاكمة، إلى تنازله عن سيارته البائسة للمتضرر، التي كانت مصدر رزقه وأسرته، وإلى عناد القاضي، وتآمر المحامي عليه، مؤامرة انتهت بسجنه تسعة أشهر، بعيدًا عن عائلته وأصدقائه ومسراته القليلة.
غياب العدالة
تصف الرواية قسوة السجون في تسعينيات القرن الماضي، والسجن بكل حالته هو وضع معيب ومذل، يتطير الناس من ذكره، فهو شماتة الأعداء وعذاب الأحبة، ومايجري فيه من تعذيب وإهانة وإذلال لا تراعى فيه أبسط الحقوق البشرية.
وبالرغم من أن أغلب نزلائه من الفئة التي أجرمت بحق المجتمع، لكنك كإنسان تنحاز لإنسانيتك، مهما كان الآخر شرسًا وبلا رحمة، حين تراه يتعرض إلى هذا المقدار الهائل من الذل. يستمر (سبهان) في روايته ليصل إلى نتيجة مفادها أن أسباب هذه الجرائم يكمن في غياب العدالة الاجتماعية، وبالأخص حين يتسلط على الشعوب حكام بلا وعي ولا رحمة، بلاد ارتهنت للقسوة والبداوة والأنانية والتقاليد الحزبية الشنيعة، التي دفعت بالبلاد وناسها أجمل سنين أعمارها في حروب عبثية ونزوات شيطانية، لحاكم بدأ حكمه بجريمة، وانهاه بخيانة، وترك البلاد لقمة سائغة بيد من يشاء.