أحمد سعداوي واحدةٌ من الأشياء المثيرة التي شاهدتُها في معرض الرياض الدولي للكتاب، قبل عامين، كانت مجلّدات عدّة بطباعةٍ أنيقة، مرفقة بصور ملوّنة، تُحصي كلّ النباتات والحيوانات الوطنية في كلّ بقعة من المملكة العربية السعودية.
لا شكّ في أنّ وراء هذا العمل فريقًا كبيرًا من الباحثين والمختصين، وقد استغرق إنجازه جهدًا ووقتًا كبيرين. لا أعلم إن كان لدينا في مكتباتنا العراقية شيءٌ مشابه، وإن وُجِد فهو –على ما يبدو– بعيدٌ عن دائرة الضوء. وهذا يفتح على عنوانٍ أكبر: الدراسات الأنثروبولوجية العراقية.
فالقارئ العام في العراق، فضلًا عن طلّاب المدارس، لا يعرف كثيراً عن بيئة بلده وكائناته الطبيعية، ولا عن العادات والتقاليد والأغاني والملابس والأمثال والحكايات الشعبية. هناك جهدٌ مهم قامت به مجلّات مثل "المورد" و"الثقافة الشعبية"، وبضعة أعدادٍ بارزة أصدرتها –في عقود سابقة– دار الأزياء العراقية. لكن ما الذي أنجزناه في هذا المسار خلال العشرين سنة الماضية يا ترى؟ في إطار بحثٍ أجريتُه، من أجل كتابة رواية، أحصيتُ 134 نوعًا من الطيور المهاجرة إلى العراق، التي تأتي عادةً في مواسم التزاوج والتكاثر. فما الذي نعرفه حقًّا عن هذه الطيور، التي تفتح أفراخها عيونها على هواء العراق وسمائه، قبل أن يشتدّ عودها وتقوم برحلتها إلى أقاصي الشمال الأوربي؟ لقد جرى اختيار طائر "الخطّاف"، أو السنونو، شعارًا للخطوط الجوية العراقية، من غير أن نعرف الكثير عن حياته.
فهو طيرٌ مهاجر يقضي جزءًا من موسمي الربيع والصيف في الأراضي العراقية كلّها، من كردستان والموصل شمالًا، حتى الأهوار والبساتين في الجنوب، للتزاوج وبناء الأعشاش، ويقضي معظم وقته باحثًا عن الحشرات.
ثم يهاجر جنوبًا حتى الساحل الشرقي لإفريقيا واليمن، قبل أن يقوم بهجرةٍ عكسية نحو روسيا وشمال أوربا. أتمنّى لو أنّ هناك باحثين ومراكز أبحاث وطنية تخصّص جهودها لدراسة العراق بكلّ ما فيه، وتكوين ذاكرة حضارية عن بيئاته الجغرافية والاجتماعية المتنوّعة، والاحتفاء بالطبيعة العراقية وإعلاء رموزها، وحماية الكائنات الحيّة من الاعتداء والعبث، أو من تأثير المعتقدات الشعبية السيّئة. في هذا الإطار، تجب الإشادة بجهود ناشطين بيئيين، منهم أحمد صالح نعمة من محافظة ميسان، الذي نشر الكثير من الفيديوهات للتوعية بحماية السلاحف وبعض الحيوانات المائية التي تتعرّض لاعتداء مستمر بسبب جهل الناس. من اللافت أنّ النقوش السومرية والبابلية والآشورية القديمة احتفت بحضور الحيوانات في حياة الإنسان آنذاك، بينما تغيب رموزها البصرية اليوم، كما يغيب استثمارها في ثيمات التصميم، فضلًا عن حضورها في الحياة العامة والثقافة. إنّ جزءًا مهمًا من الثقافة الوطنية هو التعريف، لا بالمجتمعات البشرية المحليّة فحسب، بل أيضًا بالنظام الطبيعي وكائناته ونباتاته، وتقريب الأجيال الجديدة من هذا البُعد الجوهري في حياتهم على أرض العراق.